17 تشرين: كيف سرقت "القوّات" الثورة وخانت المطالب الشعبيّة؟
انطلقت ثورة 17 تشرين 2019 كاحتجاجٍ شعبيٍّ عابرٍ للطوائف، يرفع شعاراتٍ اقتصاديّةً واجتماعيّةً: مكافحة الفساد، حماية أموال المودعين، استقلال القضاء…
لكنّ ما شهدناه لاحقًا هو تحوّلٌ واضحٌ في طبيعة الحراك، إذ بدأت قوى سياسيّة تتصدّرها "القوّات اللبنانيّة" تستولي تدريجيًّا على الخطاب، وتحوّله من احتجاجٍ معيشيٍّ وثورةٍ تحت عناوين اقتصاديّةٍ معيشيّة، إلى معارك سياسيّةٍ وتصفيةِ نفوذٍ على الساحة المسيحيّة.
* في 18 تشرين الأوّل 2019، دعا سمير جعجع رئيسَ الحكومة آنذاك سعدَ الحريري إلى "استقالة الحكومة نظرًا لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة في البلاد، ممّا أوصلنا إلى الحالة التي نحن فيها"، وقال في بيانٍ إنّ "أفضل ما يمكن أن يقدّمه الرئيس الحريري في هذه اللحظات الحرجة والعصيبة هو تقديم استقالة هذه الحكومة تمهيدًا لتشكيل حكومةٍ أخرى مختلفةٍ تمامًا".
* في اليوم نفسه، توجّه جعجع إلى محازبي ومناصري "القوّات" للمشاركة في التحرّكات الشعبيّة الجارية وفق منطق وأجواء هذه التحرّكات. وقال إنّه "لا يمكن لهذه الأزمة أن تنتهي سوى بمجموعة متغيّرات جذريّة تبدأ باستقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة جديدة بعيدةٍ كلّ البعد عن الطاقم السياسيّ الحاليّ".
* في 20 تشرين الأوّل، أي بعد ثلاثة أيّامٍ على انطلاق التحرّكات الشعبيّة، استقال وزراء "القوّات اللبنانيّة" من الحكومة في خطوةٍ هدفت إلى إحراج رئيس الحكومة والقوى المشاركة فيها.
* قدّم "القوّاتيّون" أنفسهم على أنّهم عمود التحرّكات الشعبيّة بعد استقالتهم من الحكومة وإعلان البراءة من المنظومة التي شاركوا فيها فور خروج سمير جعجع من السجن عام 2005.
* بينما كان المتظاهرون في اليوم الأوّل للثورة يرفعون الشعارات المطلبيّة، رفعت "القوّات اللبنانيّة" شعاراتٍ سياسيّةً تقسّم الشارع، ما أضرّ بالمطالب المعيشيّة.
* وجّهت "القوّات" الشارع ضدّ التيّار الوطنيّ الحرّ والثنائيّ الشيعيّ وحمّلتهما مسؤوليّة كلّ فسادٍ سابقٍ في لبنان، في استغلالٍ للشارع، وعمّمت أسلوب الشتائم ضدّ شخصيّاتٍ محدّدة، حتّى وُصف ذلك الأداء في حينه بالاغتيال السياسيّ.
* من التكتيكات التي تبنّتها "القوّات" – أو ساندتها عمليًّا – كانت عمليّات قطع الطرقات المنظّمة بشكلٍ يوميٍّ، ما شكّل عبئًا على المواطنين وعنصرَ انقسامٍ حول الثورة، يُضاف إلى الانقسام حول مطالب سياسيّة فرضتها "القوّات".
* في الانتخابات البرلمانيّة عام 2022، حصلت "القوّات اللبنانيّة" على 19 مقعدًا، لكنّها رغم ذلك، لم يحمل نوّابها مطالب ثورة 17 تشرين إلى البرلمان.
* في 8 شباط 2025، تمّ تشكيل حكومة نواف سلام، التي ضمّت 4 وزراء "قوّاتيّين" في حقائب أساسيّة. وبذلك، أصبحت "القوّات اللبنانيّة" في صلب المنظومة التي عارضتها في الشارع. وعندما تشارك "القوّات" في حكومةٍ لا تُقدّم حلولًا واضحةً للملفّات المعيشيّة والاقتصاديّة، من إعادة أموال المودعين إلى الكهرباء، فإنّها تخون مطالب الثورة التي ساهمت في طمسها.
* بدلًا من التركيز على الإصلاح الاقتصاديّ والاجتماعيّ، يركّز "القوّاتيّون" داخل الحكومة على ملفّاتٍ يطالب بها العدوّ الإسرائيليّ لا تشكّل أولويّةً لدى المواطنين، ويتغاضون عن العناوين المطلبيّة.
* أثار أداء "القوّات" داخل الحكومة تساؤلاتٍ بعد فضيحة باخرة الفيول، وتورّط الوزير المعنيّ، والسكوت عن تهريب "ستارلينك" المخالِفة للقانون على يد وزير الاتّصالات المقرّب من سمير جعجع.
عملت "القوّات اللبنانيّة" على تحويل مسار الثورة التي بدأت للمطالبة بتحسين معيشة المواطنين والحدّ من الفساد، وساهمت في انقسام الشارع، والتفريط بالمطالب، وصولًا إلى تحالفها اليوم مع المنظومة وتغييبها لمطالب الناس في المجلس النيابيّ والحكومة.