بين السبهان وبن فرحان.. السعودية تعيد صياغة الوصاية على لبنان
إعداد: يوسف جابر
عادت السعودية إلى لبنان بعد فترة انكفاء نسبي، باندفاعة عالية وأدوات ضغط متعدّدة، في إطار سياسة منسّقة مع واشنطن تهدف لضرب سلاح المقاومة ولو على حساب فتنة في الداخل. وإذا كانت التجربة العراقية مع السفير ثامر السبهان (2015 - 2016) قد انتهت بأزمة علنية وطلب رسمي لطرده بسبب تدخلاته السافرة، فإن الساحة اللبنانية شهدت لاحقًا رضوخًا تامًا للتدخلات والإملاءات الخارجية، قادها يزيد بن فرحان منذ أواخر 2024، مستهدفة مفاصل القرار من انتخاب رئيسي الجمهورية والحكومة إلى فرض شروط سياسية وأمنية تتعلق بسلاح المقاومة. التجربتان تعكسان أسلوبين مختلفين لتحقيق الغاية نفسها: إعادة تشكيل التوازنات الداخلية على مقاس المصلحة السعودية، وبما يخدم المشروع الأميركي - الإسرائيلي في المنطقة.
السبهان في بغداد: تحريض طائفي
⦁ في حزيران/يونيو 2015، وصل ثامر السبهان إلى بغداد في ذروة الحرب على "داعش" والتوتر السعودي - الإيراني بعد قطع الرياض العلاقات الديبلوماسية مع طهران.
⦁ منذ أيامه الأولى، اختار المواجهة المباشرة، مهاجمًا "الحشد الشعبي" في مقابلة تلفزيونية مع قناة السومرية العراقية في 23 كانون الثاني/يناير 2016، وواصفًا إياه بالميليشيا الطائفية، زاعمًا تعرّض الحشد للسكان السنّة والأكراد في مناطقهم.
⦁ لم تكن تصريحاته مجرّد آراء، بل أدوات تحريض مقصودة لتفاقم الاحتقان الطائفي ضد مكوّن أساسي قاتل الإرهاب.
⦁ استُدعي السبهان من الخارجية العراقية، لكن السبهان صعّد أكثر، حتى زعم في آب/أغسطس 2016 أنّه نجا من محاولة اغتيال تقف خلفها أطراف مرتبطة بإيران، وهو ما اعتبرته بغداد ادّعاءً غير مبرّر وتجاوزًا للبروتوكول.
⦁ بعد أسابيع، طلبت الحكومة العراقية رسميًا من الرياض استبداله، في سابقة عكست حجم رفض الشارع والمؤسسات لدوره التحريضي.
السبهان إلى بيروت: خطاب الفتنة وخطف الحريري
⦁ لم يغِب السبهان طويلًا. في 2017، استُخدم كأداة ضغط على لبنان، فهاجم حزب الله ووصفه بـ"حزب الشيطان" في عدّة تغريدات عبر حسابه على "تويتر" (منصة اكس حاليًا)، وحرّض اللبنانيين على الانقسام الحاد بين مع وضد المقاومة، ملوّحًا بعواقب على البلد.
⦁ رحّب في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2017 علنًا بالعقوبات الأميركية على حزب الله، داعيًا لتحالف دولي لمحاصرة الحزب ومن يعمل معه، في خطاب ينسجم كليًا مع أجندة "تل أبيب" في سعيها لإضعاف حزب الله، ومحاولة لترويع حلفاء الحزب وثنيهم عن هذا التحالف.
⦁ في اليوم نفسه، ردّ الأمين العام الأسبق لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله خلال ذكرى أسبوع لشهيدين من قادته على تصريحات السبهان بالقول: "حزب الله أكبر من أن يواجهه السبهان بتحالف محلي، هو يحتاج إلى تحالف دولي، يحتاج إلى تحالف دولي صارم"، مؤكدًا أنَّ "تدخّل السعودية بالمنطقة مع الأمريكيين ودعم "إسرائيل" هو الذي يدمر المنطقة، لافتًا إلى أنّ لبنان "تحلّ عنه" السعودية يصبح فيه أمن وسلام.
⦁ في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، كانت ذروة دوره مع أزمة استقالة رئيس الحكومة حينها سعد الحريري من الرياض في خطاب صيغَ بحرفيةٍ ضد سلاح المقاومة. إلا أنّ السبهان نفى في مقابلة عبر الهاتف لقناة "LBC" أن تكون بلاده قد حرّضت الحريري على الاستقالة، في الوقت الذي اتهم فيه رئيس الجمهورية حينها العماد ميشال عون بشكل صريح السعودية باحتجاز الحريري.
⦁ وصل السبهان في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، إلى حدٍ غير مسبوق حيث قال في مقابلة عبر الهاتف مع قناة "العربية" إن بلاده ستتعامل مع الحكومة اللبنانية على أنها " حكومة إعلان حرب"، مكررًا وعيده للبنانيين للاختيار بين" السلام والاعتدال" وبين الانضواء تحت حزب الله.
⦁ بعد الفشل الذريع وفضيحة السعودية بخطف الحريري ووضعه تحت الإقامة الجبرية، بقي اسم السبهان في الذاكرة اللبنانية مرادفًا لمحاولة فرض وصاية خارجية على القرار الوطني.
يزيد بن فرحان: عودة الوصاية
⦁ مع نهاية العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2024، استأنفت الرياض تشغيل الأسلوب نفسه لتمارس دور الوصاية على لبنان، لكن هذه المرة عبر شخصية مختلفة، فأوكلت المهمة إلى يزيد بن فرحان، مبعوثها الخاص.
⦁ تحرّك ابن فرحان في الظل خلال الفراغ الرئاسي، ووصل في 8 كانون الثاني/يناير 2025 إلى بيروت عشية جلسة انتخاب الرئيس، منسّقًا بين أطراف محلية ودولية لفرض انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيسًا.
⦁ لم تكن زياراته دائمًا علنية، لكنها أثمرت نفوذًا في اختيار الرئيس، وتكليف نواف سلام لتشكيل الحكومة في 8 كانون الثاني/يناير 2025.
⦁ تمتع ابن فرحان بتفويض سياسي وأمني يتجاوز دور الدبلوماسي التقليدي، رابطًا أي دعم مالي أو مساعٍ لإعادة الإعمار بالقبول بشروط سحب بسلاح المقاومة، والتموضع السياسي في المحور الأميركي - السعودي.
⦁ وفي تموز/يوليو 2025، لعب دور قناة اتصال رئيسية مع المبعوث الأميركي توم برّاك حتى تقديم ورقته، في خطة أميركية - سعودية - "إسرائيلية" تهدف لتجريد لبنان من أحد أهم عناصر قوته لأجل صفر ضمانات.
⦁ حضّ ابن فرحان المسؤولين اللبنانيين مرارًا على "الالتزام بالتوقعات الدولية"، مهولًا من تبعات رفض حزب الله تسليم سلاحه، وصولًا إلى مشاركته في تنسيق موقف بيروت الرسمي حيال مقترح نزع السلاح.
⦁ أدى دوره كموفدٍ خاصٍ للوصاية عبر الضغط لإخضاع لبنان لورقة الإملاءات الخارجية، وهو ما استجابت له الحكومة مباشرةً بالموافقة على الورقة (بغياب الوزراء الشيعة) وتكليف الجيش بإعداد خطة لتحقيق "إنهاء وجود السلاح خارج الدولة تدريجيًا" ضمن مهلة زمنية محددة.
⦁ هذا المسار فتح الباب أمام سيناريوهات مجهولة، في الوقت الذي يستمر الكيان "الإسرائيلي" باعتداءاته اليومية من دون أي مبادرة حكومية للوفاء بالتزاماتها بوقف العدوان.
الهدف السعودي نفسه
تكشف المقارنة بين أسلوبي ثامر السبهان ويزيد بن فرحان أنّ اختلاف أدوات العمل لا يلغي وحدة الهدف الاستراتيجي للسعودية في مقاربة الساحتين العراقية واللبنانية.
جسّد السبهان التحريض العلني، بينما بن فرحان اعتمد دبلوماسية الكواليس لإحداث التحولات السياسية المطلوبة، لكنهما وجهان لسياسة واحدة هي:
⦁ تدخل مباشر في هندسة السلطة
⦁ القضاء على معارضي مصالحها بشتى الوسائل
⦁ إشعال الانقسام الداخلي
ومن بغداد إلى بيروت، تماهى المشروع السعودي مع المشروع "الإسرائيلي" قلبًا وقالبًا، عبر سعي "المملكة" ودأبها لضرب المقاومة وتفكيك بنيتها، وجرّ البلد إلى محور التطبيع مع العدو.