من "الفتوى" المزعومة إلى فنزويلا: بروباغندا أميركية بلا أدلة ضد حزب الله
خلال الأسبوعين الماضيين عادت الإدارة الأميركية في عهد ترامب إلى استخدام خطاب قديم ومتجدد في آن، يقوم على تصوير فنزويلا كمنصة لتهديد الداخل الأميركي عبر الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، وربط ذلك بحزب الله اللبناني من أجل إضفاء طابع "الأمن القومي" على المواجهة. غير أنّ مراجعة المزاعم التي راجت منذ مطلع الألفية حول دور الحزب في أميركا اللاتينية، كما تكشف الوثائق والشهادات داخل الكونغرس الأميركي، تظهِر أنها تقوم على أساس دعائي هش أكثر مما تقوم على معطيات دامغة.
أصول الاتهامات
الأساس الذي بُنيت عليه سردية "حزب الله وتجارة المخدرات" يعود إلى مزاعم أطلقها باحثون مقربون من اللوبي الإسرائيلي، مثل يوسف بودانسكي وراشيل إيرنفيلد، زاعمين وجود "فتوى" تتيح للحزب تمويل نشاطه من تجارة الكوكايين. هذه المزاعم لم يُقدَّم لها أي سند موثق، بل جرى تداولها في الدوائر الإعلامية والبحثية الأميركية ثم تبنتها بعض جلسات الكونغرس كأمر مسلم به. ورغم محاولات متكررة لإظهارها كحقيقة، بقيت هذه الادعاءات غير مثبتة قانونياً أو أمنياً، بل مجرد مادة سياسية وأيديولوجية تخدم توجهات معينة.
فنزويلا والمخدرات: ربط سياسي لا وقائعي
منذ وصول هوغو تشافيز إلى الحكم ثم خلفه نيكولاس مادورو، اتُّهم النظام الفنزويلي بالتعاون مع إيران وحزب الله. لكن هذه الاتهامات جاءت في سياق الصراع الأيديولوجي مع اليسار اللاتيني أكثر من كونها نتاج تحقيقات جنائية. فقد بُنيت على مقالات صحافية وتقارير بحثية تموَّل من مؤسسات مرتبطة باليمين الأميركي والإسرائيلي، وليس على ملفات قضائية تحمل أدلة صلبة. حتى في القضايا القضائية التي أثيرت ضد بعض مسؤولين فنزويليين، لم يُقدَّم أي دليل يربط الحزب بشكل مباشر بتجارة المخدرات.
المثلث الحدودي والجالية اللبنانية
جزء أساسي من الرواية الأميركية ربط حزب الله بـ"المثلث الحدودي" بين الباراغواي والأرجنتين والبرازيل. لكن واقع الحال أن هذه المنطقة تسكنها جالية لبنانية واسعة تنشط في التجارة المشروعة. جرى استخدام وجود هذه الجالية لتسويق فرضية أنّ الحزب يؤسس شبكات تهريب وغسيل أموال، بينما خلا أي تقرير أمني رسمي في أميركا اللاتينية من إثبات تلك المزاعم.
دور مراكز الأبحاث واللوبيات
الحملة الأميركية لم تقتصر على الإعلام، بل جرى تكريسها عبر جلسات الاستماع في الكونغرس، حيث لعبت مؤسسات مثل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" ومعهد واشنطن دوراً محورياً في تضخيم التهم. هذه المراكز مرتبطة مباشرة باللوبي الإسرائيلي، وتحصل على تمويل سخي من متبرعين صهاينة، ما يفسر إصرارها على إدراج حزب الله في كل ملف يتعلق بالجريمة المنظمة في نصف الكرة الغربي.
غياب الأدلة القضائية
رغم كثرة الجلسات والاتهامات، لم تُقدَّم أي قضية قضائية ناجحة تثبت ضلوع الحزب في تجارة الكوكايين أو ارتباطه بالكارتيلات الكبرى. حتى محاولات وزارة العدل الأميركية عام 2018 لتصنيفه "منظمة إجرامية عابرة للحدود" لم تبنَ على أدلة جنائية، بل على سردية سياسية لتبرير تشديد العقوبات. رغم ذلك، تعكف وسائل الإعلام والقنوات السعودية والإماراتية على تصوير هذه الادعاءات والمزاعم على أنّها "حقائق" لا تقبل التشكيك.
مغزى الحملة الراهنة
إقحام اسم حزب الله في الملف الفنزويلي يهدف إلى ثلاثة أمور:
1. شيطنة خصوم واشنطن في أميركا اللاتينية عبر ربطهم بالإرهاب والمخدرات.
2. تقديم مبرر للرأي العام الأميركي لأي تحرك عسكري أو عقوبات إضافية.
3. خدمة الأجندة الإسرائيلية من خلال تصوير الحزب كتهديد عالمي يتجاوز الشرق الأوسط، ما يسوغ استمرار الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل.
الخلاصة
ما يظهر اليوم في تهديدات إدارة ترامب تجاه فنزويلا ليس إلا إعادة إنتاج لمزاعم قديمة جرى تفنيدها مراراً لافتقارها إلى الأدلة. حزب الله يُقدَّم هنا كأداة في بروباغندا سياسية تستهدف اليسار الفنزويلي وتخدم مشاريع الضغط على إيران وحلفائها. وبذلك، تصبح "حرب المخدرات" ذريعة أخرى في إطار أوسع: حرب العقوبات والتحريض الأيديولوجي، أكثر منها مواجهة مبنية على حقائق ميدانية أو جنائية.