حكومة نواف سلام: الأولوية لأموال المقاولين لا لرواتب العسكريين والموظفين!

في خضمّ الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، يبرز سؤال العدالة عن توزيع الخسائر والأولويات، وتتكشّف طبيعة الخيارات السياسية- الاقتصادية للحكومة التي تقوم بإدارة ملفاتها بانتقائية لافتة. ففيما تبقي الحكومة رواتب الجيش والقطاع العام أسيرة أسعار وهمية لا تعكس الواقع المعيشي، تلبّي السلطة مطالب المقاولين والمتعهدين عبر إعادة تسعير مستحقاتهم وفق سعر الصرف الفعلي.

مجلس الوزراء أقر في جلسته بتاريخ 13 آب 2025 اقتراحات لتقسيط المستحقات المترتبة للمقاولين والاستشاريين غير المسددة لدى مجلس الإنماء والإعمار، ووافق على اعتماد سعر الصرف بتاريخ الإيفاء، أي  89,500 ليرة للدولار الأميركي، وذلك عن جميع المستحقات السابقة غير المسددة.
بالإضافة إلى تخصيص الاعتمادات الملحوظة في بند “خطة النهوض” في الموازنات السنوية لتسديد هذه المستحقات، بصرف النظر عن مصدر التمويل المحلي الأساسي للعقود.

يُذكر أنّه في 4 كانون الأول 2024، أصدرت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي القرار رقم 4 القاضي بتسديد مستحقات المقاولين والاستشاريين المتعاقدين مع مجلس الإنماء والإعمار على أساس سعر صرف 45,000 ل.ل. للدولار الأميركي، شرط التنازل عن فوائد التأخير وتقسيط المبلغ على ثلاث سنوات. 

هذا القرار استند إلى توصيات تقنية تقدّم بها نائب رئيس الحكومة بعد التنسيق مع وزارة المالية ومصرف لبنان، وجاءت التوصيات على شكل خيارين:


الخيار الأول: دفع المستحقات على سعر صرف مصرف لبنان (89,500 ل.ل.) لكن مقسّطة على عشر سنوات، بكلفة إجمالية 7,200 مليار ليرة، أي ما يعادل نصف القيمة الفعلية اليوم إذا احتسبنا الفوائد (Present Value).
الخيار الثاني: دفع المستحقات على سعر صرف يوازي فعليًا 46,000 – 49,000 ل.ل. للدولار، موزّعة على ثلاث سنوات، بحيث يبدو المبلغ أقل عبئًا على المالية العامة ويحدّ من ضخ السيولة والتضخم.

غير أنّ نقابة المقاولين عادت في شباط 2025 لتطعن بهذا القرار، مطالبةً باعتماد سعر الصرف الفعلي المعتمد من مصرف لبنان في تاريخ الإيفاء، أي 89,500 ل.ل.، مستندةً إلى رأي ديوان المحاسبة الذي أكد وجوب الدفع على هذا الأساس.

حكومة الرئيس نواف سلام تبنّت عمليًا مطلب نقابة المقاولين بالابتعاد عن تسوية /45,000/ ل.ل. للدولار التي سبق أن أقرتها حكومة ميقاتي عام 2024 مقابل التنازل عن فوائد التأخير، وانتقلت إلى اعتماد السعر الكامل المعمول به لدى مصرف لبنان. وبذلك، قررت حكومة سلام أن تدفع للمقاولين ضعفَي ما قررته حكومة ميقاتي!


هذا السلوك يكشف أنّ حكومة سلام تتبنّى آلية تسعير مرنة لمصلحة شبكة المقاولين المرتبطة مباشرة بمجلس الإنماء والإعمار، فيما تتعامل بجمود مع رواتب الموظفين والعسكريين وبالتالي تظهر انحيازاً طبقيًّا في إدارة الأزمة. عملياً، هي ترى أن حماية شبكات المصالح المالية تأتي على حساب عموم المجتمع، وعلى حساب الإدارة العامة، كما على حساب العمود الفقري للأمن والاستقرار الوطنيين.

منشورات ذات صلة