سعيد مالك خبير "طعوَجة" القوانين

خلافًا للتحفّظ المعتاد الذي يتعامل به أغلب المحامين مع الظهور الإعلامي احترامًا للنظام الداخلي لنقابتهم، وانطلاقًا من أنّ تحوّل المحامي إلى نجم شبّاك شبه يومي على شاشات التلفاز ووسائل التواصل قد يتعارض مع مسلك المحاماة وروحها ومناقب المحامين وآدابهم، إلّا أنّ بعض المحامين يواصلون الظهور الإعلامي بشكل شبه يومي.
ومن بين الأسماء التي تظهر مؤخرًا بشكل متكرّر، المحامي سعيد مالك الذي يطلّ بصفة "خبير دستوري" على الشاشات ووسائل الإعلام، متصدرًا الدفاع عن مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ومنها بالخصوص مسألة تعديل أحكام انتخاب المغتربين.

ويسأل مختصّون في الشؤون القانونية تواصل معهم موقع "بيروت ريفيو": كيف يمكن لـ"خبير دستوري" أن يدافع بشكل مستميت عن اقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي لتعديل أحكام انتخاب المغتربين اللبنانيين، حتى وصل به الأمر إلى البحث في سيناريوهات محاكمة رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي نتيجة موقفه في هذا الشأن، في حين يغفل هذا "الخبير" عن المخالفات الدستورية والقانونية الصارخة التي تعصف بالاقتراح؟

ومن أهم هذه المخالفات التي تعتري الاقتراح، والمغالطات في دفاع المحامي مالك عنه، حسب المختصّين في الشؤون القانونية، ما يلي:

* توقيع اقتراح القانون من أكثر من عشرة نوّاب خلافًا لأحكام النظام الداخلي للمجلس النيابي بمادته 101 التي تحظر توقيع اقتراح القانون من أكثر من عشرة نوّاب. وقد تبجّح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالاقتراح رغم مخالفته للنظام الداخلي بقوله، في بيان صادر بتاريخ 30 أيلول 2025:
  "إنّ تعطيل الجلسة التشريعية اليوم يقع على عاتق الرئيس نبيه برّي. فكيف يجوز أن يكون 67 نائبًا قد تقدّموا منذ أشهر، وليس البارحة، باقتراح قانون معجّل مكرّر لإدخال تعديلات على قانون الانتخاب النافذ [...]".

* لا تتّسم الأسباب المبرّرة للاستعجال في الاقتراح بالجدّية، خلافًا لما يفرضه النظام الداخلي في المادة 110، خصوصًا أنّ نصّ المادة 109 من النظام الداخلي يعطي رئيس المجلس النيابي صلاحية استنسابية في طرح الاقتراح أو المشروع المعجّل المكرّر من عدمه، بقوله:
  "للرئيس طرح الاقتراح أو المشروع المعجّل المكرّر على المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تقديمه، حتى ولو لم يُدرج في جدول الأعمال".

وإذ تغدو من بديهيات التفسير القانوني أنّ استعمال حرف الجرّ "لـ" قبل موقع وظيفي في نصّ قانوني يعطي شاغل الموقع حقًا يمكن له إعماله أو عدم إعماله دون أن يكون ملزمًا بموجب معيّن، فهل يمكن الاجتهاد في معرض النصّ الصريح؟ أو ربما يجب تغيير قواعد اللغة العربية كُرمى لعيون رئيس حزب القوات اللبنانية؟

* لا يراعي اقتراح القانون المعجّل المكرّر خصوصية قانون الانتخاب الذي ينتمي بطبيعته إلى القانون الدستوري، حيث يتعارض اعتماد صفة العجلة بشأنه مع روح القانون الدستوري اللبناني الذي يعمل لتأمين أكبر قدر ممكن من التوافق والحوار في المواضيع ذات الطبيعة التأسيسية، ومنها قانون الانتخاب. وبالتالي، فإنّ رئيس المجلس النيابي باعتباره رئيسًا للسلطة الاشتراعية، وهي السلطة الوحيدة التي تنبثق مباشرة عن الشعب في لبنان، بسعيه لتطبيق الدستور وروحه ومبدأ الميثاقية، يكون ممسكًا بأصل مهمته الدستورية التي أولاه إياها المُشرّع الدستوري والنظام الداخلي لمجلس النواب، لا سيّما المادة 5 منه.

رأى المحامي مالك أنّ رئيس المجلس يصادر حقّ النواب في التشريع، في حين أنّ رئيس المجلس أحال الاقتراحات بشأن القانون الانتخابي إلى لجنة فرعية، فكيف يكون ذلك مصادرة لحقّ النواب في التشريع؟ أوليست اللجان النيابية مطبخ التشريع ومؤسسة من مؤسسات السلطة الاشتراعية؟

كما استغرب المختصّون في الشؤون القانونية استرسال المحامي مالك بذكر أرقام وتواريخ وصفحات نشر القوانين والقرارات بشكل دقيق وحرفي، وبأسلوب استعراضي، مقابل إخراجه مضامين النصوص القانونية والاجتهادات القضائية والآراء الاستشارية من سياقاتها وتأويلها بأكثر مما تحتمل بكثير، كما فعل مع نصّ المادة 9 من النظام الداخلي للمجلس النيابي، وقرار المجلس الدستوري رقم 1/2005، ورأي هيئة التشريع والاستشارات رقم 696/2006.

وختم المختصّون في الشؤون القانونية بأنّه على الحقوقيين والمحامين ألّا يجتهدوا في معرض نصوص قانونية صريحة وواضحة، ولا يؤوّلوا النصوص ما لا تحتمل، ولا يخرجوا الاجتهادات القضائية من سياقاتها، فيتحوّلوا بذلك إلى "وعّاظ السياسيين"، لا سيّما إذا كان السياسيون بحجم مُجرم مُدان من القضاء اللبناني، فحتى كرسيّ نيابي أو وزاري أو قضائي لا يغفر هذا الوعظ.

منشورات ذات صلة