كيف تحوّل جهاز رقابي إلى "إمبراطورية فوق المحاسبة".. بحماية خارجية؟
في خطوة تعيد فتح ملف التوزيع الطائفي في التوظيف، وملف النفوذ الأجنبي عبر منصّة Impact، مرّرت الحكومة في جلستها الخميس 23 تشرين الأوّل 2025 مرسومًا يقضي بنقل 20 موظفًا من ملاكات إدارات عامة إلى ملاك التفتيش المركزي بعد محاولات من رئيس التفتيش المركزي جورج عطية لتمرير المرسوم في جلسات سابقة دون نجاح.
إقصاء طائفي
اختار عطية بنفسه وبـ"عناية فائقة" أسماء الموظفين الذين انتقلوا إلى "لجنة التفتيش المركزي".
قام بجولة على الإدارات وجمع أسماء من يعتبرهم الأفضل من أصحاب الكفاءة، والذين سيتركون وظائفهم في: وزارة التربية، وزارة الصناعة، وزارة الشباب والرياضة، وزارة العدل، وزارة الداخلية، إدارة الإحصاء المركزي، وإدارة الأبحاث والتوجيه.
الملاحَظ، أن أغلب الأسماء المختارة هي من المسيحيين، وفق ما كشفت جريدة "الأخبار"، بينما يتم منع توظيف عشرات الناجحين في مجلس الخدمة المدنية منذ عام 2017 بطريقة مخالِفة للقانون، فقط لأن غالبيتهم من الطائفة الإسلامية.
وبدل الاستعانة بالناجحين الذين ينتظرون منذ 5 سنوات قرار إلحاقهم بالتفتيش المركزي، اختار عطية - بحسب "الأخبار" - بعنوان: "عطية "يستولي" على موظّفي الوزارات"، تكريس نهج الإقصاء الطائفي وتعزيز "إمبراطوريته" بعناصر موالية له، ولو على حساب تفريغ الإدارات الرسمية.
امبراطورية عطية لم ترصد أي مخالفة لـ8 سنوات
المفارقة أن التفتيش المركزي الذي يعتبر أحد أهم الأجهزة الرقابية في الدولة، المكلّف بمراقبة حسن سير العمل في المؤسسات العامة والبلديات، ورصد المخالفات والفساد، لم يسجل خلال 8 سنوات من “إمبراطورية عطية”، أي مخالفة ذات قيمة في أي إدارة ولم يرصد أي تقصير أو فساد في أي بلدية، وهذا مؤشر إلى تجميد عمل الجهاز الرقابي بدل تفعيله.
انكشافٌ في الداتا عبر impact
عُيّن جورج عطية رئيسًا للتفتيش في عهد الرئيس السابق ميشال عون لكن سرعان ما تحرّر من عباءة الرئاسة بعد لجوئه إلى السفارة البريطانية، التي تولّت حمايته سياسيًا وضخّ الأموال إلى التفتيش من دون المرور بالدولة، وذلك مقابل تسليم بريطانيا مفاتيح الإدارات وبيانات المواطنين الموجودة على منصّة Impact. وبذلك، أصبح عطية رجل السفارة البريطانية الأول في لبنان.
وعندما حاول رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي محاسبته على تلقّي هبة قيمتها 3 ملايين دولار من السفارة البريطانية، وصل الملف إلى ديوان المحاسبة، الذي استدعاه عدة مرات من دون أن يحضر. وفي سابقة، شكّل عدد من السفراء الأجانب وفدًا، يتقدّمه السفير البريطاني، للضغط على ميقاتي ومنعه محاسبة عطية. وسريعًا، رضخ ميقاتي والدولة، وتم تمديد مذكرة التفاهم بين عطية وشركة "سايرن" البريطانية، وهي المذكرة التي "تعرّي اللبنانيين" وتضع كل بياناتهم على منصة Impact مقابل حفنة دولارات.
وسمح عطية لمهندسي الشركة بإدارة المنصّة من داخل مقر التفتيش المركزي، مسقطًا كل سبل الحماية، ليصبحوا المتحكّمين بها بالكامل، قبل أن تُعمّم المنصّة على الوزارات والمؤسسات، ما جعل البلد مكشوفًا أمنيًا وسيبرانيًا.
كل هذه التراكمات، توجت بتمرير مرسوم عطية في مجلس الوزراء من دون ضجيج أو اعتراضات أو حتى تحفظات.