MTV تجترّ دعاية اللوبي الإسرائيلي عن سردية حزب الله والمخدرات في أميركا اللاتينية

بعد أيام على الترويج الاحتفالي المُسبَق لقناة المرّ، عقدت في 21 تشرين الأول 2025، "اللجنة الفرعية لمكافحة المخدرات الدولية" التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، جلسة استماع خُصّصت لمناقشة مزاعم تمويل حزب الله عبر تجارة المخدرات في أميركا اللاتينية. دُعي إلى الجلسة أربعة شهود، بينهم ماثيو ليفيت، الباحث في ذراع منظمة آيباك الصهيونية "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، ومارشال بيلينغسلي، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية والباحث الحالي في "المعهد اليهودي للأمن القومي في أميركا"، اللذان قدّما شهادتين متقاطعتين في المضمون ومتكاملتين في الهدف: إعادة تكريس روايةٍ قديمة تُعيد رسم صورة حزب الله كمكوّنٍ فاعل في شبكات الجريمة المنظَّمة، على وقع استهداف إدارة ترامب لفنزويلا عسكريًا بحجة تهريب المخدرات.

بيلينغسلي الذي اكتشف "الوقائع" بعد تركه منصبه
أتى مارشال بيلينغسلي إلى هذه الجلسة بعد أربع سنوات ونصف على مغادرته منصبه الرسمي كـ "مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب" في إدارة ترامب (2017-2021)، ليتحدّث من موقع "المطّلع" على المعلومات الاستخبارية الدقيقة. الملفت أنّ بيلينغسلي كان قد دُعِي إلى جلسة استماع للجنة الخدمات المالية في مجلس النواب بتاريخ 30 تشرين الثاني 2017 بصفته الرسمية كمسؤول عن تتبّع تمويل "الإرهاب" في وزارة الخزانة في جلسة خُصِّصَت لتقييم فاعلية أنظمة العقوبات التي تستهدف تنظيمات كحزب الله. آنذلك، لم يأتِ بيلينغسلي على ذكر المخدرات إطلاقًا كمصدرٍ لتمويل الحزب، بل ركّز على الدعم الإيراني كركيزةٍ أساسية لمنظومته المالية. لكن في شهادته في 21 تشرين الأول 2025، تحوّل إلى "خبير مستقل" يقدّر أنّ "ثلث تمويل حزب الله يأتي من أميركا الجنوبية" عبر تهريب الكوكايين وغسل الأموال، ومقدّرًا العائدات بنحو 200 مليون دولار سنويًا حتى عام 2018 — أرقام لم تظهر في أي وثيقة رسمية ولم يفطن لها على مدى 4 سنوات خلال عمله في الخزانة!


الأكثر لفتًا أنّ بيلينغسلي في جلسة الاستماع أمام مجلس الشيوخ ملأ شهادته بمصادر هي عبارة عن أوراق "بحثية" صادرة عن مؤسسات تتبع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة مثل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" (FDD)  و"المعهد اليهودي للأمن القومي في أميركا" (JINSA)، وبأسماء "باحثين" مثل إيمانويل أوتولينغي وجوزيف نورييغا، وهما من أبرز مروّجي الربط بين حزب الله وكارتلات المخدرات في أميركا اللاتينية، وهؤلاء الأشخاص سبق أن ورد ذكرهم مع ارتباطاتهم وخلفياتهم المرتبطة باللوبي الصهيوني في كتاب "تحت قبّة الكابيتول: تفكيك المزاعم الأميركية حول دور حزب الله في أميركا اللاتينية".

ليفيت... التكرار بوصفه إثباتًا
أما ماثيو ليفيت، فواصل في شهادته يوم 21 تشرين الأول 2025 ما دأب عليه منذ عقدين: إعادة تدوير نفس السردية. فمنذ جلسة الاستماع الأولى التي شارك بها كـ"خبير" للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس حول الدور المزعوم لحزب الله بتجارة المخدرات في أميركا اللاتينية في 26 تشرين الأول 2011، حين تحدّث عن نشاط تمويلي مزعوم للحزب في "المثلث الحدودي" بين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي، لم يغيّر سوى تفاصيل ثانوية في سرديته. في عام 2011، استخدم قضية البنك اللبناني الكندي كدليل على "التغلغل المالي"، ثم أعادها حرفيًا في جلسة 2025، بالاستناد إلى البيان نفسه الصادر حينها عن وزارة الخزانة. في 2011، كرّر قصة أسعد أحمد بركات، ليعيد ذكرها مجددًا بعد 14 عامًا، بالمصادر نفسها والمواقع الالكترونية نفسها.

وفي مراحله اللاحقة (2013–2018)، طوّر ليفيت مصطلحات مثل "التقاطع بين الجريمة والإرهاب"، مقدِّمًا رسومات وخرائط للمناطق نفسها التي ذكرها مرارًا، قبل أن يعيد استخدامها مرة أخرى في شهادته الجديدة. المدهش أنّه يستشهد اليوم بكتبه وبودكاسته الخاص، مثل Breaking Hezbollah’s Golden Rule، كمراجع داخلية في الأوراق "البحثية" التي يقدّمها للجنة، ما يجعل شهادته دائرة مغلقة من الاستشهاد بالذات، لا تستند إلى مصادر جديدة أو مستقلة.
من رواية إلى "حقيقة مؤسساتية"
تُظهر قراءة موازية للشهادتين أنّ ما يجمع ليفيت وبيلينغسلي ليس الأدلة، بل الرغبة في تثبيت سردية واحدة: أنّ حزب الله تحوّل إلى لاعبٍ في سوق الجريمة في أميركا اللاتينية. غير أنّ هذا التطابق في الخطاب يخفي تباينًا في الخلفيات: الأول يكرّر ما بناه كمستشارٍ في مؤسساتٍ مرتبطة باللوبي الاسرائيلي، والثاني "اكتشف" تلك المزاعم بعد خروجه من منصبه الرسمي، ليمنحها غطاءً من "الخبرة الشخصية". كلاهما يستند إلى مصادر غير رسمية (جلّها صهيونية المصدر) ويغفل عن غياب أيّ دليل قضائي يربط الحزب فعليًا بتجارة المخدرات.

خلاصة
ما جرى في جلسة 21 تشرين الأول 2025 كان تكرارًا لمشهد ثابت أعيد بثّه عشرات المرات، لكن الفارق كان التوقيت، الذي كان دائمًا ما يتزامن مع توجّهات واشنطن لقلب أنظمة حكم يسارية في أميركا اللاتينية. كذلك، لا يمكن إغفال المحاولات المتكرّرة للوبي الصهيوني في أميركا بضرورة تثبيت رواية أيديولوجية تُعيد تعريف حركات المقاومة في قوالب "إرهاب" و"جريمة منظّمة" لإسقاطها أخلاقيًا، تعويضًا عن غياب الأخلاق لدى من تقاومه هذه الحركات. ليفيت يكرّر نفسه منذ عشرين عامًا، وبيلينغسلي كان شاهدًا "ما شفش حاجة" عندما كان في المنصب والآن استفاق. كلاهما يوظف المنصة التشريعية لتغذية خطابٍ إسرائيليّ الهوى، يُقدَّم للرأي العام الأميركي على أنه "حقيقة استخبارية". لكنّ الفارق بين هذه الجلسات التي بدأ عقدها عام 2005 وجلسة 2025، هو أنّ التكرار نفسه بات اليوم سياسةً بحدّ ذاتها — سياسة تبني سردية لا تحتاج إلى أدلّة، بل إلى شهودٍ يتبادلون الأدوار في تثبيتها، وإلى إعلام لبناني مرتزق، أتى متأخّرًا لكي يدلي بدلوه في مهمة إعادة اجترار الرواية الصهيونية.

منشورات ذات صلة