"السيد" الذي أذهل أعداءه عقودًا.. ثمّ اختار خاتمته الملحميّة
لم يكن الأمين العام الأسبق لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله قائدًا عسكريًّا لحزب مُعادٍ لإسرائيل، بنظر العدو. بل كان رمزًا للخطر الدائم والتهديد الاستراتيجي المستمر. ومن أكثر الشخصيات التي أثارت القلق والاستنفار على المستوى العسكري والأمني منذ عقود.
ما جاء على ألسنة قادة الاحتلال منذ ظهور نصر الله بعد اغتيال السيد عباس الموسوي حتى بعد اغتياله، يشير إلى أنه شكل محور تهديد مركزي للمؤسسة العسكرية والسياسية، وأصبح اسمه مرادفًا للقدرة على تنفيذ ما يهدد به، ما جعل تأثيره النفسي والاستراتيجي يمتد إلى الجيش والمجتمع على حدٍّ سواء.
رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وصف السيد الشهيد بأنه «لم يكن مجرد مقاتل. بل كان هو المقاتل. كان المحور داخل المحور، والقوة الدافعة خلفه». هذا التصريح يعكس مدى الإدراك الاستراتيجي لدى المؤسسة الأمنية والسياسية في إسرائيل تجاه شخصية نصر الله، باعتباره أحد أخطر القادة الذين واجهتهم الدولة العبرية منذ قيامها.
تعتبر دراسات إسرائيلية رسمية أن الأمين العام الأسبق لحزب الله كان سلاحًا استراتيجيًّا لمحور المقاومة موجهًا ضد تل أبيب، حيث أظهرت الدراسات في «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» أنه كان مصدر تهديد أول لإسرائيل وإقلاق أمنها، دولةً وجمهورًا. وفي الوعي المجتمعي الإسرائيلي، أصبح رمزًا للخطر والتهديد، وعنوانًا لكل ما يؤذي إسرائيل والصهاينة، إلى درجة اعتبره الإسرائيليون أصدق من قادتهم.
مقولة نصرالله «إن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» تحولت إلى ما يُعرف بـ«نظرية بيت العنكبوت»، التي حظيت باهتمام القادة والنخب الإسرائيلية والمراكز البحثية، حتى الطواقم الخاصة لدى دوائر القرار والتخطيط، وعملت إسرائيل على تفكيك هذه النظرية ووضع استراتيجيات لمواجهتها، إدراكًا لخطورتها.
وفي إطار التعامل مع شخصية نصر الله، أصدر مركز أبحاث الأمن القومي في تل أبيب قرارًا بإنشاء قسم خاص تابع للاستخبارات العسكرية لإدارة التعاطي مع ما يصدر عنه من تهديدات، وكان من أهم أعمال هذا القسم حجب بعض التهديدات عن الجمهور الإسرائيلي، كما حصل في أعقاب تهديده خليج حيفا ومنشآت الأمونيا فيها، مع طاعة شبه عمياء للإعلام العبري.
وكانت تصريحات السيد نصر الله في 18 شباط عام 1992 في تشييع السيد عباس الموسوي في بعلبك مؤثرة على الذهنية الإسرائيلية، حيث قال: «هذا الطريق سنكمله لو قُتلنا جميعًا لو استشهدنا جميعاً لو دمرت بيوتنا على رؤوسنا لن نتخلى عن خيار المقاومة الإسلامية».
أما رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في التسعينيات، اللواء عاموس مالكا، الذي أكد في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت»، إعجابه بشخصية السيد الشهيد قائلًا «أنا مضطر إلى القول إن الشكل الذي يُدير ويقود عبره تنظيمه يجذبني. إنه ينطوي على الدمج بين التفكير الاستراتيجي والسيطرة الكاملة والعمل التكتيكي واستغلال العامل النفسي».
وأضاف: «نصر الله شخصية تجذب كل رجل استخبارات بشكل مطلق. أشعر بأنني أفهم مركبات كثيرة لديه، ولكن تواضعي الاستخباري لا يسمح لي بالقول إنني أعرفه سابقًا».
التخوف الكبير من شخصية نصر الله وقيادته الصارمة والحكيمة لمحور المقاومة وتهديداته الدائمة لإسرائيل في كل خطاب في كل ذكرى وكل بيان، أجبر الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية على تشكيل فريق خاص لمتابعة كل ما يتعلق به، بدءًا من «حركة إصبعه» وصولًا إلى أفكاره الاستراتيجية العميقة وتحليل خطاباته ومواقفه.
وأشارت دراسة نشرت في مجلة «العين السابعة» بعد حرب تموز 2006 إلى أن السيد نصر الله عدو مرّ، وخبير في الشؤون العسكرية وفي المجتمع والجيش الإسرائيلي.
«هذا الرجل يقاتل إسرائيل من دون نيران»، هكذا وصف مدير برنامج الشؤون العسكرية والاستراتيجية في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، الذي اعتبر أنه «يجب مواجهة خطاب نصر الله المعرفي، وتأثيره السلبي في الجمهور والجيش، في كل الأوقات، وفي السلام قبل الحرب».
وتعكس دعوات استهداف السيد نصر الله على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين وخبرائهم الإستراتيجيين قلقهم المتزايد تجاه دوره المحوري في قيادة المقاومة. فقد قال رئيس أركان جيش العدو الأسبق غادي أيزنكوت: «نصر الله مركز ثقل للمقاومة، ما يوجب أن يجعله هدفًا مباشرًا لدوره في حركة الصراع».
وأضاف العقيد روعي ليفي: «يجب تنفيذ اغتيال مركّز لنصر الله، عبر قوات كوماندوس مدعومة من سلاح الجو، وهكذا ننال من كل المنظمة، من كبار قادتها إلى آخر مقاتل».
وشدد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، اللواء عوزي ديان: «تصفية نصر الله يجب أن تكون الهدف الأول بسبب تأثيره الهائل على الجمهور الإسرائيلي. فهو يفهم نفسية الإنسان في إسرائيل ويؤثر بشكل مباشر على معنويات الجيش والجمهور».