وزير الاتصالات يخالف قرار مجلس الوزراء ويبرم العقد مع ستارلينك!

في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 13 آب 2025 (المحضر رقم 23، القرار رقم 37)، ناقش المجلس موضوع منح ترخيص لشركة Starlink Lebanon s.a.l لتقديم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية. وبعد الاستماع إلى عرض وزير الاتصالات، أبدى المجلس عدم ممانعة مبدئية، لكنه قرر تأجيل البت النهائي بالموضوع لمزيد من المشاورات والعودة لاحقًا لاتخاذ القرار المناسب.

إلا أنّ المستندات المرفقة تُظهر أن وزير الاتصالات ومعه المدير العام للاستثمار والصيانة في الوزارة (المهندس باسل الأيوبي) عمِدا إلى الإعلان عن عقد بالتراضي لصالح الشركة، في مخالفة واضحة لقرار مجلس الوزراء ولأحكام القوانين المرعية، خصوصًا قانون الشراء العام.


أولاً: مخالفة قرار مجلس الوزراء

محضر مجلس الوزراء واضح لجهة أنّ القرار النهائي لم يُتخذ، وأن ما صدر هو مجرد تأجيل للبت. إعلان وزير الاتصالات عن عزمه المضي قدمًا في التعاقد مع "ستارلينك" يُشكّل تجاوزًا لصلاحياته وتعديًّا على السلطة الإجرائية الجماعية، إذ أن المادة 65 من الدستور اللبناني تجعل مجلس الوزراء المرجع في وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات الكبرى.
وعليه، فإن أي خطوة تنفيذية قبل صدور قرار رسمي عن المجلس، تُعتبر لاغية وباطلة.


ثانياً: مخالفة الأصول القانونية للترخيص

الترخيص لشركة أجنبية لتقديم خدمة على كامل الأراضي اللبنانية يستوجب قرارًا صريحًا من مجلس الوزراء، يصدر بمرسوم، بناءً على اقتراح وزير الاتصالات وبعد استشارة مجلس شورى الدولة وهيئة التشريع والاستشارات.
لكن المستندات تُظهر أنّ وزارة الاتصالات أعدّت مسودة  "اتفاق رضائي" قبل صدور المرسوم وهو خروج عن الأصول لأنّ التعاقد بالتراضي لا يجوز في عقود بهذا الحجم دون المرور بمبادئ المنافسة والعلنية المنصوص عليها في قانون الشراء العام رقم 244/2021.
كما أنّ "الترخيص" يُعتبر عملًا سياديًا يختلف عن أي عقد إداري عادي، ولا يمكن اختزاله بإجراءات مبسطة أو قرارات فردية، وقد يستوجب موافقة المجلس النيابي.


ثالثاً: دور المدير العام باسل الأيوبي

توقيع المدير العام للاستثمار والصيانة على مشروع الترخيص وتقديمه لهيئة الشراء العام يُظهر تجاوز حدود صلاحياته، إذ أن مسؤوليته إدارية وفنية ولا تمتد إلى إقرار عقود ذات طابع سيادي.
الأيوبي وقّع على نصوص تتضمن التزامات مالية ضخمة وتخصيص للقطاع دون أن يكون هناك مرسوم نافذ من مجلس الوزراء.
وهذا يُشكل مخالفة لقانون الموظفين (المرسوم 112/1959) الذي يمنع الموظف من القيام بأعمال تتجاوز الصلاحيات أو تخالف القوانين.


رابعاً: مخالفة هيئة الشراء العام

 الهيئة اكتفت بقبول مشروع الترخيص كاتفاق رضائي، دون أن تتحقق من:
• وجود منافسة مفتوحة أمام شركات أخرى.
• انطباق حالة الضرورة القصوى لتبرير التعاقد بالتراضي.
ودون أن تتأكد من وجود أساس قانوني لإبرام العقد ولنشر الإعلان.

هذا السلوك يخالف صراحة المادة 3 من القانون المذكور، التي تؤكد على منع أي تفرّد أو استنسابية في منح العقود العامة.

خامساً: تحليل مضمون الترخيص

النصوص المقترحة تمنح “ستارلينك” امتيازًا حصريًا لتوزيع الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في لبنان، ما يُخالف مبدأ المنافسة. ومن أبرز البنود:
• منح حقوق بيع وتوزيع وصيانة أجهزة المستخدم بشكل حصري.
• فرض رسوم بالدولار الأميركي وإعفاءات ضريبية مبطنة.
• السماح بتجديد الترخيص تلقائيًا لمدة سنتين إضافيتين بقرار من وزير الاتصالات فقط، دون العودة إلى مجلس الوزراء.

هذه البنود تُضعف السيادة الاقتصادية اللبنانية وتمنح شركة أجنبية امتيازًا طويل الأمد دون مناقصة أو إطار قانوني صحيح.


سادساً: انعدام الأساس القانوني للإعلان والتعاقد

من أبرز المخالفات أن الإجراءات برمّتها تفتقر إلى أساس قانوني:
• قانون الاتصالات (القانون 431/2002) لم يمنح وزير الاتصالات أو المدير العام صلاحية الترخيص المباشر لشركات أجنبية دون مرسوم وزاري جامع.
• قانون الشراء العام (244/2021) يحدد حصراً حالات التعاقد بالتراضي، وهي لا تنطبق هنا، إذ لا يوجد طارئ أو ضرورة قاهرة.
• عقد من هذا النوع يُعتبر في الفقه الإداري عقد امتياز مرفقي لا يمكن إبرامه إلا بقانون أو بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء مجتمعًا.
• الإعلان عن الترخيص قبل صدوره فعليًا يُعد مخالفة لمبدأ المشروعية، ويقوّض مبدأ الشرعية الإدارية.


خلاصة

بين قرار مجلس الوزراء المؤجَّل وإصرار وزير الاتصالات والمدير العام وهيئة الشراء العام على تمرير الترخيص بالتراضي، يتضح أنّ ثمة مخالفات دستورية وقانونية وإدارية متراكمة، أبرزها:
1. تجاوز قرار مجلس الوزراء وفرض إرادة فردية.
2. خرق قانون الشراء العام ومبدأ المنافسة.
3. توقيع غير ذي صفة على التزامات مالية وسيادية.
4. تساهل هيئة الشراء العام في الرقابة.
5. غياب أي أساس قانوني يجيز الإعلان أو التعاقد.

وعليه، فإنّ ما حصل يضع الملف أمام إمكانية الطعن بالإبطال أمام مجلس شورى الدولة، ويُعرّض المعنيين به للمساءلة التأديبية والقضائية بتهمة تجاوز حد السلطة ومخالفة القوانين المرعية، فضلًا عن المسؤولية السياسية أمام الرأي العام.

منشورات ذات صلة