لبنان في خرائط "إسرائيل الكبرى" : الصمت اللبناني تنازل عن الحقوق
أثار تجاهل الدولة اللبنانية تصريحات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو حول حلم "إسرائيل الكبرى" سخطًا في الأوساط الشعبية، سيّما مع مركزيّة لبنان في هذا التصور الذي يشكل خطرًا على وجوده.
فكيف تتأثر الخريطة اللبنانية بأحلام نتنياهو والمتطرفين الصهاينة بـ"إسرائيل الكبرى"؟ ولماذا يشكل سكوت الدولة خطرًا ومؤشرًا خطيرًا؟
• جنوب لبنان حتى نهر الليطاني:
المقترحات المقدمة عام 1919 نصّت صراحةً على ضم مناطق الليطاني الجنوبية إلى فلسطين المحتلة. وتكشف وثائق لاحقة (مثل مذكرات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق موشيه شاريت) أن بعض القادة الإسرائيليين خططوا منذ الخمسينيات لاحتلال جنوب لبنان حتى الليطاني وإقامة كيان عميل هناك بهدف ضمه لاحقًا. على سبيل المثال، نقل شاريت عن رئيس الأركان موشيه دايان عام 1954 طرحًا لتجنيد ضابط لبناني مسيحي عميل تعلن "إسرائيل" على أساسه التدخل لحماية المسيحيين واحتلال الجنوب حتى الليطاني وضمّه إلى "إسرائيل". وبالفعل سُمِّي أول اجتياح إسرائيلي للبنان سنة 1978 بعملية الليطاني وكان أحد أهدافه المعلنة إبعاد الفدائيين الفلسطينيين إلى شمال النهر. كما سعت "إسرائيل" إبان اجتياح 1982 للوصول إلى مياه الليطاني قبل أن تُرغم على الانسحاب تدريجيًا.
• مرتفعات جبل الشيخ (حرمون) ومنابع نهر الأردن:
تُعد منطقة جبل الشيخ الحدودية ذات أهمية استراتيجية ومائية. طالب الصهاينة مبكرًا بضم المنحدرات الغربية والجنوبية لحرمون، والتي تقع في لبنان (وحاليًا عند مثلث الحدود مع سوريا)، لضمان سيطرتهم على منابع نهر الأردن (الحاصباني والوزاني). وقد احتلت "إسرائيل" بالفعل مزارع شبعا وكفرشوبا عند سفح حرمون خلال حرب 1967 (وهي مناطق لبنانية وفق الخرائط الرسمية يصر لبنان على لبنانيّتها)، وذلك ضمن إستراتيجية تأمين منابع المياه. الرؤية التوراتية لـ”حدود إسرائيل” كثيرًا ما تذكر جبل حرمون ولبنان؛ فمثلًا جاء في سفر يشوع (1:4) تحديد الأرض "من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات". لذا يرى الصهاينة المتشددون أن السيطرة على قمم حرمون وجواره تقع ضمن واجب استعادة كامل أرض "إسرائيل".
• كامل الأراضي اللبنانية ضمن بعض التفسيرات الدينية المتطرفة:
في القراءة الأقصى لوعد "من النيل إلى الفرات"، فإن لبنان كله يدخل ضمن خارطة "إسرائيل الكبرى".
وقد تبنّى بعض غُلاة القوميين والمتطرفين دينيًا هذا الفهم الحرفي. على سبيل المثال، حين تحدّث وزير مال الكيان "بتسلئيل سموتريتش" عن وجوب امتداد "إسرائيل" إلى دمشق وتضمين لبنان بأكمله، كان يعبّر عن منظور ديني/قومي يعتبر كل أرض لبنان جزءًا من "الأرض الموعودة". وفي بعض الخرائط التي يُروجها مؤيدو هذه النظرية، تظهر خارطة "إسرائيل الكبرى" شاملةً الساحل اللبناني (صور وصيدا وحتى بيروت وطرابلس). ورغم افتقار هذه المزاعم لسند تاريخي دقيق، إلا أنها تُوظّف إيديولوجيًا لتبرير أي توسع مستقبلي.
سكوت الدولة اللبنانية عن هذه التصريحات العلنيّة مؤشر لبناني رسمي خطير. تجاهل تصريحات نتنياهو ذات الطابع التوسعي والعدائي المباشر للبنان، قد يُفسَّر خارجيًا وكأن الدولة اللبنانية لا ترى فيها تهديدًا جديًا، أو أنها غير معنية بالردّ. هذا يفتح المجال أمام الدعاية الإسرائيلية لتسويق خطابها. وغياب الموقف اللبناني الرسمي يضعف حجّة لبنان في أي محافل دولية، سواء في مجلس الأمن أو أمام الأمم المتحدة. فالتاريخ التفاوضي يُبنى على المواقف المعلنة، وإذا لم تُسجَّل اعتراضات رسمية في اللحظة المناسبة، (مرّت ٣ أيّام على التصريح دون حتى بيان من الخارجية) قد يُستغل ذلك لاحقًا للإيحاء بعدم وجود اعتراض لبناني أصيل على الطروحات الإسرائيلية.
إن أي تهديد صريح بضمّ أراضٍ من بلدٍ آخر أو تغيير حدود جغرافيّة يعدّ خرقًا فاضحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وعدم استثمار هذه الفرصة لتعبئة المواقف العربية والدولية ضد المشروع الإسرائيلي يُعد تقصيرًا فاضحًا من قبل الدولة اللبنانية، يعكس انعدام استراتيجيتها للأمن الوطني والقومي وتفريطها بحقوق لبنان.