ترامب يطلب إلغاء المساهمة الأميركية في تمويل اليونيفيل!
في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والدبلوماسية، أرسلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الكونغرس في 28 أيار 2025، رسالة رسمية تطلب فيها إلغاء 22 بنداً من بنود التمويل التي سبق أن أقرّها الكونغرس ضمن موازنات العامين الماليين 2024 و2025. القرار الذي جاء بعنوان "مقترح حجز المخصصات المالية"، يسعى إلى تقليص نحو 9.4 مليار دولار من الإنفاق الفدرالي، تحت ذريعة "إلغاء البرامج غير الضرورية أو المعادية للمصالح الأميركية".
وبينما شمل القرار برامج متنوعة في مجالات الصحة الدولية، وتمويل الإعلام العام، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، والتنمية في دول متعددة، برز لبنان كواحد من أبرز المتأثرين بالقرار، إذ استهدفت إدارة ترامب تمويلات أساسية كانت مخصصة له ضمن برامج الأمم المتحدة أو الدعم الإنمائي.
استهداف مباشر لبعثة اليونيفيل في جنوب لبنان
من أبرز ما ورد في الوثيقة، إلغاء كامل المبلغ المخصص للولايات المتحدة في تمويل قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، والمقدَّر بـ157.9 مليون دولار ضمن موازنة 2025. وجاء في تبرير القرار أن بعثة "اليونيفيل" فشلت في تنفيذ مهامها، وتحديداً في "احتواء حزب الله"، ما يجعل المساهمة الأميركية فيها "غير مجدية وتشكل هدراً مالياً".
ونصّت الوثيقة بأنّ هذه الخطوة تمثل "مرحلة أولى في تنفيذ إصلاحات واسعة داخل منظومة الأمم المتحدة"، معتبرة أن عمليات حفظ السلام تعاني من "هدر واسع النطاق وفشل متكرر"، وأنه "لا يجوز أن تستمر الولايات المتحدة في دفع حصص غير عادلة، مقابل نتائج لا تخدم مصالحها".
برامج أخرى قد تطال لبنان بشكل غير مباشر
إلى جانب اليونيفيل، تضمّن القرار إلغاء تمويلات أخرى من المرجّح أن يكون لها تأثير غير مباشر على لبنان، لا سيما في ظل اعتماد البلاد التاريخي على المنظومة الغربية لتوفير بعض التمويل. ومن أبرز هذه البنود:
- إلغاء 437 مليون دولار كانت مخصصة للمنظمات والبرامج الدولية التابعة للأمم المتحدة، مثل اليونيسف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهما فاعلان أساسيان في برامج التعليم والرعاية الصحية والبيئة في لبنان.
- تخفيض 800 مليون دولار من صندوق المساعدات للمهاجرين واللاجئين، وهو ما قد ينعكس على برامج رعاية اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان، خصوصاً أن الأونروا كانت أيضاً من الجهات المستهدفة بالخفض، رغم عدم التصريح برقم محدد.
- إلغاء برامج "الديمقراطية" و"التحولات السياسية"، والتي تُستخدم عادة في تمويل منظمات المجتمع المدني المحلية، بما فيها جمعيات لبنانية فاعلة.
ما لم يُلغَ: مساعدات إنسانية طارئة مشروطة
ورغم شمول القرار لمعظم المساعدات الدولية، فإن بعض التمويلات الإنسانية الطارئة بقيت خارج نطاق الإلغاء، على أن تُربط مستقبلاً بوجود "صلة مباشرة بالمصالح الوطنية الأميركية". وتشير الوثيقة إلى أن أي إنفاق إنساني يجب أن يُوجّه نحو عمليات "إنقاذ الحياة أو إعادة اللاجئين" فقط، وليس لبناء قدرات أو مشاريع بعيدة الأمد.
خلفيات القرار: سياسة "أميركا (و"إسرائيل") أولاً"
الخطوة تأتي في سياق أوسع تبنّته إدارة ترامب في ولايته الثانية، يقوم على الانسحاب من المنظمات الدولية ووقف تمويل المشاريع التي تصفها بـ"الليبرالية"، مثل المناخ، والقضايا "الجندرية"، وحقوق الأقليات. وقد شملت أيضاً الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وتقليص برامج مكافحة الإيدز وتنظيم الأسرة، ما يشير إلى توجّه أيديولوجي صارم في السياسة الخارجية والتمويل الدولي.
من ناحية أخرى، فإن إلغاء مساهمة الولايات المتحدة الأميركية في تمويل اليونيفيل يأتي في سياق وضع ضغوط على لبنان لتلبية المطالب الإسرائيلية بنزع سلاح المقاومة. كذلك تعتبر الولايات المتحدة أن سحب اليونيفيل من جنوب لبنان يمنح جيش الاحتلال الإسرائيلي المزيد من حرية العمل في لبنان. وتقترح واشنطن، في بعض المجالس المغلقة، استبدال اليونيفيل بقوات "مراقبة" متعددة الجنسيات.
ردود فعل متوقعة
فيما لم تصدر بعد مواقف رسمية من الأمم المتحدة أو الحكومة اللبنانية، يُتوقّع أن يؤثّر المقترح، في حال موافقة الكونغرس عليه، على مستقبل بعثة اليونيفيل، التي تعبّر أوساط أميركية وإسرائيلية رسمية عن رغبتها بإنهاء تفويضها بعد أسابيع. كذلك قد يواجه اقتراح إدارة ترامب رفضاً داخل الكونغرس، لا سيما من قبل الديمقراطيين، الذين يعتبرون تقليص المساعدات الدولية ضرباً للنفوذ الأميركي حول العالم.