تحصين موقع الرئاسة.. انتخاب مباشر من الشعب
"يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى.." بحسب المادة 49 المعدلة من الدستور اللبناني، لكنّ عواملَ كثيرة تجعل مقترح "تعديل الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر من الشعب" خياراً ديمقراطياً ومطلباً محقّاً لغالبية اللبنانيين، فالشعب هو مصدر السلطات كما يرد في مقدمة الدستور، والشعب اللبناني عريقٌ بديمقراطيته التي يمتاز بها عن معظم محيطه.
اعتاد اللبنانيون عند كل انتخابات رئاسيةٍ على السجال العقيم نفسه حول نصاب الثلثين والنصف زائد واحد، وأحقية المقاطعة وتعطيل النصاب، عدا عن تأجيل الانتخاب ودخول البلد في دوامة الفراغ، وحيث أنّ تركيبة مجلس النواب لا تعكس حقيقة التوازنات السياسية الشعبية بل تعكس إرادة القوى النافذة وصانعي القوانين الانتخابية على قياس شخصيات وقوىً بعينها، فإنّ الرئيس المنبثق عن هذا المجلس لا يُعبّر فعلاً عن مزاج اللبنانيين وطموحاتهم، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ نائباً وصل إلى المجلس النيابي بأقل من ألف صوت مقابل نائب آخر تجاوزت أصوات ناخبيه 50 ألفاً، لكن كل واحدٍ منهما يملك صوتاً واحداً مساوياً للآخر في انتخابات الرئاسة!
تكمن أهمية انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرةً في تحرير الرئيس من سيطرة زعماء الطوائف، وتجنيب البلد مشاكل التأخير والتعطيل والفراغ وتقليص قدرة الخارج على التدخل في الانتخابات، وبالتالي 'لبْنَنَة' انتخابات الرئاسة بعد أن اعتادت على 'الأمركة' و'السعودة' و'السورنة' وإنتاج رئيس لبناني 100% قوي يتمتّع بدعمٍ شعبي وازن وقدرةٍ على تأدية دور الحَكَم، وتنفيذ مهامه المنصوص عليها في الدستور باعتباره يجسّد إرادةً شعبيةً حقيقية.
تبرز عقبات جمّة أمام التعديل الدستوري وينبري الكثيرون للوقوف بوجهه متذرّعين بحجج واهية لسلب اللبنانيين حقهم في المشاركة بصنع مستقبل بلدهم والتأثير في سياسته، كعدم وجود إحصاء شامل للبنانيين أو الخوف من الإجحاف بحق المسيحيين، رغم أنّه من السهل إجراء الإحصاءات اللازمة في فترة زمنية وجيزة بفضل تقنيات الإحصاء الحديثة، أما اتخاذ أي إجراءات تطمئن المسيحيين أو المسلمين فهو يناقض الديمقراطية العددية ويعيدنا إلى الديمقراطية التوافقية التي يتنصل منها مدعوّو الحرص على التمثيل المسيحي، علماً أنّ هناك عدة مقترحات لزيادة وزن الصوت المسيحي عبر إعطاء المسيحيين صوتاً مضاعفاً في انتخابات الرئاسة، منها مقترح إجراء دورتين انتخابيتين: الأولى مسيحية والثانية وطنية على ألّا ينحصر الاقتراع في الدورة الثانية بالأسماء الناتجة عن الدورة الأولى (مقترح الوزير باسيل)، ومقترح اعتماد النسبة المئوية المثقلة أي جمع أصوات المسيحيين والمسلمين وقسمتها على اثنين، وبالتالي تتساوى القدرة الانتخابية للمسيحيين والمسلمين بغض النظر عن عدد كلا الطائفتين. ومقترح فريقٍ بحثيٍ في "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" يتضمن آلية انتخابٍ جديدة قوامها دعوة الناخبين في الأراضي اللبنانية لانتخاب الرئيس مباشرة، عند فشل المجلس النيابي في انتخاب رئيسٍ بالثلثين، على أن يكون لكل دائرة عدد من الأصوات الانتخابية يعادل عدد مقاعدها النيابية ويفوز من يحصل على الأكثرية العددية من الأصوات الانتخابية لكل دائرة، وهي مقترحاتٌ تعالج محاذير النظام القائم على التوازنات الطائفية وتعالج الهواجس المسيحية لكنها تضرب جوهر الديمقراطية العددية وتُفقد الانتخاب المباشر قيمته وتُبقي الأمور على حالها مع تعديل في الشكل فقط.
خلاصة القول، إنّ زمن مصادرة أصوات شريحةٍ من اللبنانيين وسلبهم حقوقهم الديمقراطية بذريعة التوافق يجب أن ينتهي، خصوصاً أنّ أصواتاً تتعالى من هنا وهناك للمضي بحكومةٍ أو مجلسٍ نيابي دون طائفةٍ كاملة والاستعانة بالخارج لانتخاب رئيسٍ للمجلس لا يُمثّل طائفته، فإما ديمقراطية توافقية تحافظ على الميثاقية في كل شيء، وإما الذهاب نحو الديمقراطية العددية في كل شيء.
ولنبدأ من انتخاب مجلسٍ نيابي خارج القيد الطائفي على قاعدة لبنان دائرة واحدة وعلى أساس النسبية، بالتوازي مع انتخاب رئيسٍ للجمهورية بالاقتراع المباشر من الشعب وتعزيز صلاحيات الرئاسة وإعادة مقرها إلى بيروت العاصمة بعد اغترابه عنها منذ 1958.