تخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة ضرورة وطنية


وسط الجدل اللبناني حول "الإصلاح الانتخابي"، تتجه الأنظار مجددًا إلى ملفات انتقائية تُطرح تحت شعارات واهية حول تطوير الحياة الديمقراطية، فيما يتمّ تجاهل إصلاحات جوهرية تُعدّ معيارية في النظم الانتخابية الحديثة. اقتراع المغتربين، البطاقة الممغنطة، وغيرها، عناوين تتصدّر الخطاب السياسي الحالي في لبنان، بخلفيات مصلحيّة أكثر مما هي إصلاحية.

ورغم أنّ القانون المعتمد في انتخابات 2022 اعتُبر نقلة نوعية مقارنةً بقانون الستين والنظام الأكثري، عبر اعتماد النسبية وفق دوائر متجزّئة، إلّا أنّ النقاش الدائر اليوم - مع ضيق الوقت قبل انتخابات أيار 2026 - يتركّز حول مسألة تمكين المغتربين من انتخاب النواب الـ128 بدل ستة نواب مخصّصين لدوائر الاغتراب وسط اعتراضات على خلفية مسّ تعديل كهذا بمبدأ تكافؤ الفرص، خصوصًا في دول غربية يتعرّض فيها أي مؤيد لفريق سياسي محدد من المشاركين في الانتخابات مثل حزب الله، لمخاطرة كبيرة.

الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل: خفض سن الاقتراع إلى 18
استعراض سريع للتجارب عالميًا يكشف أنّ الإصلاح الانتخابي البنيوي يبدأ من مكان آخر تمامًا، وهو ينطلق من خفض سن الاقتراع إلى 18 عامًا، بما ينسجم مع المعايير الدولية ومبادئ المساواة والعدالة التمثيلية.

فسن 18 بات اليوم معيارًا عالميًا لتكريس المواطنة الكاملة وإدماج الشباب في العملية الديمقراطية، وفي لبنان خصوصًا تدفع هذه الفئة من الشباب ثمن كل السياسات في البلد ومن حقها بالتالي أن تشارك في العملية السياسية. بحسب شبكة المعرفة الانتخابية الدولية ACE، تعتمد 205 دول وأقاليم من أصل 237 سنّ الـ18 عامًا كحدّ أدنى للتصويت في الانتخابات الوطنية – أي ما نسبته 86% من دول العالم. هذا التطور ينسجم مع بلوغ سن الرشد المدني في معظم التشريعات الحديثة، كما في لبنان، ومع الاعتراف بدور الشباب في صناعة القرار العام:

- أوروبا وأميركا الشمالية: يعتمد معظمها سنّ 18 عامًا منذ عقود (المملكة المتحدة منذ 1969، ألمانيا 1970، الولايات المتحدة 1971، فرنسا 1974، أستراليا 1974، إيطاليا 1975…).

- أميركا اللاتينية: الغالبية الساحقة تعتمد السن ذاته (المكسيك، البرازيل وغيرها).

- أفريقيا: معظم الدول التي نالت استقلالها منذ الستينيات اعتمدت سن 18 عامًا مباشرة في دساتيرها (مثل دستور أنغولا 2010).

- ولم تتوقف بعض الدول عند هذا الحد، بل ذهبت أبعد من ذلك في توسيع قاعدة الاقتراع نحو إشراك الفئات الأصغر سنًا. إذ سمحت دول عديدة بالتصويت بدءًا من 16 عامًا، أبرزها: النمسا (منذ 2007)، مالطا (2018)، البرازيل (تصويت اختياري بين 16–17 وإلزامي من 18)، الأرجنتين (2012)، الإكوادور وكوبا ونيكاراغوا…

لماذا يُعدّ خفض سن الاقتراع إلى 18 أولوية إصلاحية لبنانية؟
ما يزال سن الاقتراع في لبنان محددًا بـ21 عامًا، رغم أن من هم في عمر 18 عامًا ينالون حقوقهم المدنية كاملة وتترتب عليهم الواجبات القانونية والضريبية أيضًا، ما يعني أنّ فئة شبابية واسعة تُستبعد سياسيًا خلال واحدة من أهم مراحل وعيها.

إنّ فتح نقاش حول اقتراع المغتربين، يبقى ثانويًا مقارنةً بإصلاح يؤسّس لعدالة تمثيلية داخلية ويضخ دمًا جديدًا في الحياة السياسية اللبنانية. فلا معنى لتوسيع الاقتراع خارجيًا ما دام الشباب اللبنانيون ممنوعون عن المشاركة في العملية الانتخابية.

وإذا أراد اللبنانيون إصلاحًا انتخابيًا فعليًا، فالمدخل الطبيعي يبدأ من توسيع حق الاقتراع للفئة العمرية 18–21 عامًا، بما ينسجم مع المعايير الدولية، ويعيد التوازن لهيكل التمثيل الانتخابي، ويفتح الباب أمام إدماج أكبر لفئة يعوّل عليها في تجديد الحياة الديمقراطية.

يشار الى أنّ قوى اليمين الانعزالي في لبنان هي المعترضة على هذا التعديل الاصلاحي الأساسي، باعتبار أنه سيؤدي إلى زيادة أصوات الناخبين المسلمين مقارنةً بأصوات الناخبين المسيحيين بسبب التفاوت الديمغرافي وتركيبة الهرم السكاني في لبنان.

منشورات ذات صلة