مسلسل الفضائح في عهد وزير الطاقة القواتي: سرقة 120 مليون دولار من شحنات الفيول؟

إعداد: حسين عطوي

تتكشّف يومًا بعد آخر بصمات جديدة للفساد الإداري والرقابي في وزارة الطاقة، والتي ظهرت مؤخرًا مع قضية الباخرة HAWK 3 التي كانت تحمل النفط إلى مؤسسة كهرباء لبنان. الناقلة التي غادرت الموانئ الروسية وقدمت إلى لبنان بأوراق مزوّرة تُظهر أن منشأها تركيا، تبعها تزوير في شحنات الفيول المستورد، ما أدّى إلى سرقة ملايين الدولارات من المال العام. دفتر الشروط يسمح باستيراد الفيول من روسيا. لكن ثمن الفيول الروسي أدنى من سعر الفيول في أي مكان آخر. ولذلك، تم تزوير وثائق منشأ الفيول، للقول إنه تركي، من أجل تحقيق أرباح غير مشروعة للشركة المستوردة. واليوم تتكشّف معطيات جديدة عن تفاصيل التغطية الرقابية والفساد الإداري داخل الوزارة.

في عزّ الحديث عن تزوير مستندات الفيول، لم تكلّف وزارة الطاقة نفسها عناء الانضمام إلى برامج تتبّع السفن الدولية التي تتيح كشف المسار الحقيقي للناقلات، وهو الإجراء الوحيد القادر على فضح التلاعب بمكان المنشأ. هذه البرامج كان قد طَرحها المهندس "فوزي مشلب" مبكرًا كحلّ مباشر وطالب بها علنًا وبالمراسلات، لكن الوزارة تجاهلتها بالكامل.

"مشلب"، الذي تولّى منذ البداية متابعة الملف وتحذير الإدارات من الثغرات الرقابية، كان أول من نَبّه إلى ضرورة تتبع حركة البواخر لحظة خروجها من الموانئ. لكن بدلًا من التجاوب، ذهبت الوزارة إلى تعديل دفتر الشروط بشكل كارثي، مضيفة بندًا يسمح بتكليف شركة مراقبة "تشهد" أنّ التحميل جرى من خزانات برية.


بند عبثي يفتح المجال واسعًا أمام الرشاوى والتزوير، وتمّ التعتيم على البدائل التي اقترحها الخبراء، وفي طليعتها أدوات التتبُّع البحري التي كان من شأنها أن تفضح المسار الحقيقي لأي ناقلة. وبعد يومين فقط من إقرار هذا التعديل، وصلت الباخرة HAWK 3، وظهرت الكارثة: شهادة مراقبة مزوّرة من شركة Letrina، وهي شركة خدمات ملاحية تتخذ من تركيا مقرًّا، وتتعامل مباشرة مع الموردين، منحت شهادة مزيّفة تؤكد أن النفط الآتي إلى لبنان صادر من تركيا، ما يثبت أنّ البند أُضيف تحديدًا لتبرير التزوير.

وجود التزوير والتلاعب لم يخفَ رسميًّا، حيث أكّد المدير العام للجمارك وجود تلاعب وتزوير في مستندات الباخرة HAWK 3. ومع ذلك، لم يُتَّخذ أي إجراء فوري بوقف التفريغ أو حجز الحمولة. القضاء، ممثّلًا بالمدعي العام التمييزي القاضي "جمال الحجار"، رفض فحص العينة الرابعة من الفيول المحفوظة في الجمارك، وأصرّ على إقفال الملف رغم كل ما ورد من أدلة وخبرات وتقارير. العينة الرابعة هذه، التي يُعتقد أنها قد تكشف الحقيقة كاملة وتزيل الشبهات، لم تُفحص لأسباب غير واضحة، وسط مؤشرات على وجود ضغوط سياسية وقضائية، فيما كان يشرف مكتب وزير الطاقة مباشرة على ثلاث فحوصات سابقة أثبتت التزوير بشكل قاطع.
رفض فحص هذه العينة أضاف بُعدًا جديدًا من التغطية والتستر على الفساد.


رغم أنّ وزارة الطاقة كانت على علم بالتزوير، سُمِح للباخرة بتفريغ حمولتها جزئيًّا في معمل الجية، في تجاهل فاضح لكافة القوانين والمعايير. استخدمت وزارة الطاقة بيان “ترانزيت” لتبرير إدخال الحمولة، وهو في الأصل يُستخدم للمرور حصرًا لا للتفريغ. كل التقارير الملاحية والفنية، وحتى اعترافات القبطان والطاقم، أظهرت بوضوح أنّ المنشأ روسي، وأنّ الوقوف في مرفأ "مرسين" التركي لم يكن إلا محطة لتعديل الأوراق.

وفي إطار موازٍ، لعبت شركة Sahara Energy دورًا مريبًا في ملف استيراد الفيول بالتنسيق المباشر مع وزارة الطاقة. فمع العلم أنّ الوزارة تلقّت عدة إنذارات وشبهات حول التعاقد مع الشركة مسبقًا، لكن كالعادة كان التجاهل سيد القرار. استمرت Sahara Energy بالمشاركة في المناقصات من دون أي عراقيل أو استبعاد، وحققت أرباحًا خيالية تُقدّر بنحو 120 مليون دولار خلال عام واحد من بيع الفيول بأسعار السوق العالمية، بينما هي تشتري الفيول الروسي الأرخص ثمنًا، وسط صمت مشبوه لوزير الطاقة القواتي. أما على صعيد القضاء، فقد رفض القاضي "جمال الحجار" اتخاذ أي خطوات فعلية بحق Sahara، ما ساهم في استمرار نشاطها المشبوه بلا رقابة أو مساءلة.

بعد كل ما ذُكر من معطيات وأدلة دامغة، لم يتم اتخاذ أي إجراء قضائي حقيقي، وذلك بتوقيع كل من القاضي "جمال الحجار"، وبموافقة واضحة ورضى قواتي ممثَّلاً بوزير الطاقة "جو صدي".

وفي المحصّلة، تُطرح عدة أسئلة محورية لا بد من الإجابة عنها:

-كيف يستمر الفشل والتستر الرقابي داخل وزارة الطاقة، خصوصًا بمباركة وإشراف مباشر من أعلى المستويات الوزارية والقضائية؟

-ما هو مصير عشرات ملايين الدولارات من أموال الخزينة التي سُرقت، بتغطية من الوزير القواتي؟

-هل يعقل أن يبقى الفساد الإداري مستشريًا بينما الوزير المسؤول عن القطاع يتجاهل، أو يبرّر، هذه الأفعال؟

في الوقت الذي تتركز فيه قرارات القاضي "جمال الحجار" على القضايا الصحافية والإعلامية، نرى غيابه التام عن معالجة ملفات الفساد والفضائح في وزارة الطاقة. أما اللمسات القواتية، فتبقى واضحة في تثبيت مظاهر الفساد داخل الوزارة.

منشورات ذات صلة