تاريخ القوات اللبنانية لتبييض القطاع المصرفي قبل تسببه بالانهيار الشامل

إعداد: باسم جوني


لطالما عُرف حزبُ القواتِ اللبنانية بـ"ركوب الأمواج" في مختلف الساحات السياسية. لعلّ أبرزها محطة 17 تشرين، حيث انفجرت الأزمةُ الاقتصاديةُ بعد عقودٍ طويلةٍ من الهندساتِ الماليّةِ الفاشلةِ التي صُنِعت بشكلٍ مباشرٍ في القطاعِ المصرفيّ. وما بين هذه العقودِ تقلباتٌ جذريةٌ لدى حزبِ القواتِ وممثّليه تُظهرُ تناقضًا واضحًا مع مبدأ الإصلاح ومحاربة الفساد الذي حاولَ اعتناقَه سميرُ جعجع.

2014 – عام "التطبيل للمصارف"

في عَشائها السنويّ لدائرة المصارف، أقامت القواتُ اللبنانيةُ حفلًا ألقى فيه رئيسُ دائرةِ المصارف رامي نحّاس كلمةً ذكر فيها:
“من بيروت وبيبلوس وشواطئ البحر المتوسط يجمعُ اللبنانيون في لبنان والمهجر على أنَّ القطاعَ المصرفيَّ لَهوَ في أساسِ الاعتمادِ اللبنانيّ، وهو يحكي عن قصةِ العلاقةِ الوطيدة بين لبنانَ والخليج ومصر والكويت والشرق الأدنى وفرنسا، وهو يتجلّى في التضامن الأهلي كشركةٍ عامةٍ للمصارف اللبنانية، كما أنّ القطاعَ مُنشِّطُ الصناعة والعمل وحافزُ اللبنانيِّ للتجارة والأملِ الدائمِ بعودةِ لبنانَ إلى سابقِ تألّقه”.
كما أكّد نحّاس على "عراقة" هذا القطاع.

2016 – القلعة الأخيرة الصامدة بالنسبة لجعجع

بعد انتقاداتٍ واسعةٍ تلقّاها حاكمُ مصرفِ لبنان السابق رياضُ سلامة، بادر رئيسُ حزبِ القواتِ اللبنانية إلى الدفاع عن "سلامة" في تصريحه: "إنّ الفضلَ في صمودِ القطاعِ المصرفيّ يعودُ إلى المصرفِ المركزيّ وحاكمِه"، مشيدًا بما سمّاه (سياساته الرشيدة). إلّا أنّه تبيّن لاحقًا أن هذه السياساتَ أجّلت انهيارَ الاقتصادِ اللبنانيّ وضخّمت فجوةَ الأزمة.

2017 – بيان لمصرف لبنان المركزي يؤكد تهنئة "القوات اللبنانية" لرياض سلامة

نشرت الوكالةُ الوطنيةُ للإعلام بيانًا صادرًا عن مصرفِ لبنان، وردَ فيه أنّ عضوَ القواتِ اللبنانية جو سركيس زارَ حاكمَ المصرفِ المركزيّ رياضَ سلامة، مهنّئًا إيّاه بالنيابة عن "القوات" لاختياره أفضلَ حكّامِ المصارفِ المركزيّةِ في العالم، ودعمِها لما يقوم به.

2018 – سمير جعجع: القطاع المصرفي يُبقي لبنان واقفًا على الصعيد الاقتصادي

في عشاءٍ أقامته دائرةُ المصارفِ في مصلحةِ النقاباتِ في "القوات اللبنانية"، ألقى سمير جعجع خطابًا أكّد فيه أنّ القطاعَ المصرفيَّ هو القطاعُ الوحيدُ الذي يُبقي لبنانَ واقفًا، ولولاهُ لتعثرَ الاقتصاد.

2020 – لقاء جعجع مع "البنكرجية"

في لقاءٍ جمعَ رئيسَ القواتِ اللبنانية مع وفدٍ من جمعيّةِ مصارفِ لبنان في معقلِ سمير جعجع، أعلنَ الأخير تمسّكه بالقطاعِ المصرفيّ مؤكِّدًا أنّه لا يزالُ ركنًا أساسيًّا في الاقتصادِ اللبنانيّ – رغم الانهيارِ الحاصلِ ونهبِ أموالِ المودعين – وضمَّ الوفدَ نديمَ القصار (مدير عام مصرف فرنسبنك) ونائبَ رئيسِ جمعيةِ المصارف، المُتَّهَم بـ"خَرقِ" جمعياتِ المودعين واستغلالِهم، بالإضافة إلى عددٍ من أصحابِ ومديري المصارفِ الضالعين بشكلٍ مباشرٍ في "اختفاءِ أموالِ المودعين".

2022 – من رئيس حزب إلى محامي حاكم مصرف لبنان

شنَّ سميرُ جعجع هجومًا شرسًا على عهدِ الرئيسِ السابق ميشال عون، بعد أن ادّعت القاضيةُ غادة عون على اللواء عماد عثمان بسببِ عدمِ سماحِ قوى الأمن الداخليّ لجهازِ أمن الدولة بإحضارِ رياضِ سلامة إلى التحقيق في دعوى مُقدَّمةٍ بحقّه.

2023 – المعارضة بما فيها "القوات" تتبنّى خطاب المصارف

بعد تضاربِ المشاريعِ والسرديّاتِ بين تحميلِ مسؤوليّةِ الانهيارِ ونهبِ أموالِ المودِعين إلى الدولةِ اللبنانية، أو تحميلِها إلى أصحابِ المصارف، اختارَ حزبُ القواتِ اللبنانية تبنّي خطِّ المصارفِ ورميَ المسؤوليّةِ على الدولةِ اللبنانية، ما يعني أنّ استردادَ أموالِ المودعين يكونُ من خلال الضرائبِ المفروضةِ على الشعبِ الفقير. وفي تلاقيها مع حزبِ الكتائبِ والنوابِ مارك ضو، وضّاح الصادق، وميشال دويهي، رمت القواتُ اللبنانية مسؤوليّةَ تسريعِ الانهيارِ الماليّ إلى سلسلةِ الرتبِ والرواتبِ عام 2017، في مسارٍ واضحٍ لتحييدِ أصحابِ المصارفِ عن تحمّلِ المسؤوليّة.

2024 – وقعت "البقرة" فتكاثر عليها مُمثِّلو "القوات"

وأخيرًا، بعدما بدأت تتوالى مذكّراتُ التوقيف بحقّ رياضِ سلامة من قِبَل بعضِ الدولِ الأوروبيّةِ والقضاءِ اللبنانيّ، عادَ مسؤولو حزبِ القواتِ اللبنانية إلى ركوبِ موجةِ مهاجمةِ "القلعةِ الصامدة" و"أفضلِ حاكمِ مصرفٍ مركزيٍّ في العالم"، حيث أعلنَ نائبُ القواتِ جورج عدوان خلال اجتماعِ لجنةِ المالِ والموازنة أنّ المسؤولَ الأولَ عن "سرقةِ العصر" هو رياضُ سلامة، وطلبَ توضيحًا من وزيرِ الداخليّةِ عن سببِ عدمِ توقيفِ سلامة.

على الرغمِ من ترؤّسِ حزبِ القواتِ اللبنانية لـ"المعارضة"، إلّا أنّ حزبَ جعجع لا يزالُ يقعُ في التناقضات، فبعد رفعِه شعاراتِ "التغيير"، كان اليمينُ الانعزاليُّ من أوائلِ الداعمين لمرشّحِ لوبي المصارف كريم سعيد في حاكميّةِ مصرفِ لبنان، ويُعرَف سعيدٌ بأنّه الداعمُ الأولُ لتحويلِ كافّةِ الودائعِ المحتجزةِ للمواطنين إلى سنداتِ دينٍ على الدولة، كما أنّه يرفضُ رفعَ السريّةِ المصرفيّة.

منشورات ذات صلة