كلمة الرّئيس الكولومبي في الأمم المتحدة: موقف تاريخي ضدّ العدوان الإسرائيلي
كلمة رئيس كولومبيا "غوستافو بيترو" في الأمم المتحدة في 18 أيلول 2025:
"هذا آخر خطاب لي كرئيس لكولومبيا أمام الجمعية العامة، إنّه خطابي الرابع والأخير.
في خطابي الأول قلتُ إنّه من المحتمل جدًا أن يندلع نزاع، ليس في أوكرانيا فحسب، بل أيضًا في فلسطين. الدول التي لا تمتلك القنابل الضخمة ولا الميزانيات الكبرى لا يُسمع صوتها في هذا المحفل.
واليوم، نرى ما يحدث في فلسطين، أشبه ما يكون بالجحيم. لم أكن لأتصور أن يشهد العالم شيئًا مشابهًا في منطقتنا، في الكاريبي، حيث تنهال القذائف على شباب وفتيات عُزَّل، في مشهدٍ وحشيّ أصبح معمَّماً عبر الكوكب، ومشهودًا في جميع أنحاء العالم.
لقد سقط سبع عشر شاباً في البحر الكاريبي، بعضهم ربما كانوا كولومبيين.
إنّنا أمام حالةٍ من القهر والظلم، ملايين المهاجرين يُسجنون ويُساء معاملتهم، فيما تنهال القذائف على 70 ألف إنسان في غزة، إضافة إلى أزمة المناخ التي ينكرها دونالد ترامب.
كل هذه القضايا مترابطة، ولها سبب واحد: الهجرة أصبحت ذريعة تستخدمها المجتمعات الغنية البيضاء، العنصرية، التي تعتقد أنها عرق متفوّق، بينما هي في الحقيقة تسير بنفسها وبالبشرية جمعاء نحو الهاوية.
يقول البعض إنّ القذائف التي تُطلق في البحر الكاريبي هدفها مكافحة تهريب المخدرات، لكن هذه أكاذيب.
خلال العامين 2023 و2024، صادرت حكومتي أكبر كميات من الكوكايين في تاريخ كولومبيا، وقامت بتسليم 700 من مهربي المخدرات إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لقد فعلنا ذلك دون أن نطلق قذيفة واحدة، ودون أن نقتل أحدًا، لا شاباً ولا شابة.
على مدى هذه السنوات أثبتُّ أنّه من الأكثر فاعليةً أن نختار طريقًا مختلفًا: أن نستبدل زراعة الكوكا بمحاصيل بديلة، وبموافقة الفلاحين أنفسهم، بدلاً من قهر الفقراء وإجبارهم بالقوة.
اخترتُ سياسة فعّالة ضد مهرِّبي المخدّرات، لا ضد المزارعين. لكنّ البعض اختار مسار العنف والهيمنة، لفرض إرادتهم على بلدي وعلى دول أخرى في منطقتنا.
سياسة مكافحة المخدّرات التي تفرضها واشنطن لا تهدف في الواقع إلى منع وصول الكوكايين إلى الولايات المتحدة، بل إلى إخضاع شعوب الجنوب وكسر إرادتها. إنها سياسة تهدف إلى السيطرة والتسلط.
أتحدث إليكم اليوم كرئيس تمّ سحب اعتماده كرئيس مشارك في التحالف الدولي لمكافحة المخدّرات.
الرئيس ترامب هو من فعل ذلك.
بأي حق فعل ذلك؟
حكومة الولايات المتحدة تُلحق الأذى بعشرات آلاف المزارعين من خلال سياسات تشبه سياسات المافيا.
اليوم، يُقتل المزارعون الكولومبيون كما يُقتل الأطفال في غزة.
إنّ بعض الشخصيات السياسية المتورّطة في هذه السياسات مرتبطة بالمافيا الكولومبية.
بعض هؤلاء كانوا أعضاء سابقين في مجلس الشيوخ الكولومبي، ولديهم روابط مع اليمين المتطرِّف في فلوريدا، ومع شركاء في إدارة ترامب، ومع شبكات تهريب الكوكايين.
سياسة مكافحة المخدرات المفروضة علينا هي في الحقيقة غطاء لدعم كبار تُجّار المخدّرات، وليس لمكافحتهم.
لقد فضحتُ هؤلاء السياسيين والميليشيات اليمينية وتُجّار المخدّرات، وسَميتُهم بأسمائهم عندما كنتُ سيناتوراً.
حاولوا إسكاتي، وحاولوا قتلي.
واليوم، يسعون إلى تعطيل حكومتي التقدُّمية، ولهذا السبب تمّ سحب الاعتماد مني.
في عهدي، صادرتُ أكبر كميات كوكايين في تاريخ كولومبيا، وتمكَّنتُ من خفض نسبة التوسع في زراعة نبات الكوكا من 43% في عهد الرئيس السابق دوكيه، إلى 3% فقط.
ومع ذلك، لم تُسحَب أوراق اعتماد دوكيه، بينما سُحِبت مني، فقط لأنّني أقول الحقيقة.
إنّها لعبة، لعبة قذرة، تحاول منع شعوب أميركا اللاتينية من أن ترى الشّمس من جديد.
الشباب الذين قُتلوا في البحر الكاريبي لم يكونوا أعضاء في حماس، ولم يكونوا مهربي مخدرات، كانوا فقط شباناً فقراء، لم يجدوا خياراً آخر سوى أن يستقلّوا قاربًا صغيرًا في محاولة للهروب من الفقر.
أمّا كبار تُجّار المخدّرات، فهم لا يعيشون في أميركا اللاتينية، بل في نيويورك، على بعد شوارع قليلة من هذا المبنى، وفي ميامي، وفي باريس، ومدريد، ودبي.
إنهم يعيشون في رفاهية، بينما تنهال الصواريخ على الفقراء.
ترامب يطلق الصواريخ على قوارب المهاجرين، ويتّهم رُكّابها أنّهم مُهرِّبو مخدّرات، رغم أنّهم لا يملكون حتى أسلحة للدفاع عن أنفسهم.
في الولايات المتحدة اليوم، يعاني الملايين من الإدمان، لكنّهم يستهلكون الفنتانيل، وهو مخدِّر صناعي أمريكي المنشأ.
هذا أخطر وضع شهده تاريخ المخدّرات في هذا البلد.
يُقتل 100 ألف إنسان سنويّاً بسببه، بينما مات في السابق الملايين بسبب الكوكايين.
والسكّان السّود في الولايات المتحدة هم الأكثر تضررًا من هذا الإدمان.
الأمهات، بغض النظر عن لون بشرتهنّ، لا يرِدن أن يرين أبناءهنّ يموتون بسبب المخدرات، بينما الحكومة الفيدرالية لا تقدّم سوى العنف، حيث يرسل ترامب الجيش إلى الشوارع ضد أبناء شعبه.
ترامب يقبل بقتل الشباب في عرض البحر، ويشارك في قتل النساء والأطفال وكبار السن في غزة.
إنه متواطئ في هذه الإبادة،
والأمم المتحدة تقف شاهدًا صامتًا على ما يحدث.
الإبادة، في الماضي، كانت كلمة تُستخدم لوصف جرائم هتلر في الحرب العالمية الثانية.
لكن اليوم، ترامب لا يتحدّث عن الحياة، بل عن الموت، ويسهم في قتل عشرات الآلاف.
لقد عملت حكومتي على خفض معدلات القتل، وخفض البطالة، وتنمية الزراعة بنسبة تتجاوز 10% سنويًا، والصناعة بنسبة 5%.
كما أصبح بلدنا وجهة للسُّيّاح، لما يملكه من جمال طبيعي وتنوُّع ثقافي وإنساني.
سياستنا الجديدة ليست لمكافحة المخدّرات بحد ذاتها، بل لمكافحة مُهرِّبي المخدّرات.
بهذه السياسة نجحنا في زرع بذور السلام في كولومبيا، بفضل دعم شركائنا مثل قطر، والمكسيك، والفاتيكان، وفنزويلا.
لكن ما نحتاجه الآن هو إنهاء الإبادة في غزة.
الإنسانية لا يمكن أن تقبل باستمرار هذه الإبادة ليوم واحد آخر.
على الأمم المتحدة أن تُجبِر الأطراف المعنية على احترام قرارات محكمة العدل الدولية.
يجب وقف الإبادة عبر تصويت في الجمعية العامة، لا في مجلس الأمن الذي يُستخدم فيه حق النقض (الفيتو).
نحن بحاجة إلى جيش قوي من الدول التي ترفض الإبادة، لإنقاذ الشعب الفلسطيني.
لقد سئمنا الخطابات، وحان وقت العمل، كما قال سيمون بوليفار: “الحرية أو الموت”.
واشنطن قتلت الديمقراطية، والشموليّة بدأت تسود على العالم.
علينا أن نرفع الراية بثلاثة ألوان: الأحمر، الأبيض، والأسود.
الأبيض رمز الأمل والسلام، ويجب أن يبقى الأمل حيّاً في قلوب البشر.
الأمم المتحدة يجب أن تتغيّر، وأن تتحوّل إلى تحالف للشعوب كلها، من أجل مواجهة أزمة المناخ، وبناء نظام عالمي ديمقراطي، خالٍ من الفيتو والاستبداد.
بهذا يمكن للبشرية أن تتجاوز الرأسمالية المدمِّرة، وتستخدم المال لخدمة الحياة، لا لقتلها.
وحين تتحرَّر الإنسانية، سترفع رأسها نحو السماء، نحو النجوم، كما تقول العبارة اللاتينية:
"Ad Astra – نحو النجوم، دائمًا".
لقد حانت ساعة الحرية، وليست ساعة الموت.
القذائف اليوم تنشر الموت، لكن الحرية ما زالت تعيش في قلوب البشر الذين يقاومون ويصمدون.
شكراً".