حفلة صناعة الصّورة في القصر الجمهوري: أين لبنان؟

حفلة صنع أيقونة، شهدتها الشاشات اللبنانية مساء 1 أيلول 2025. النّجمة الصاعدة هي السيّدة الأولى، التي لمس اللبنانيون حضورها في كل مهرجانات الصيف الفنيّة، لكنّهم رغم ذلك، افتقدوها في محطّات أكثر إلحاحًا.
تحوّل القصر الجمهوري إلى مسرح لصناعة صورة شخصيّة، بدل أن يكون منبرًا لطرح سياسات فعليّة في لحظة حرب وطنيّة.

○ مقدّمة تمجيديّة

افتتح جان نخّول -مدير الحوار بين السيّدة الأولى وعدد من خريجي كليّة الإعلام في الجامعة اللبنانية- الحلقة بمقدّمة تمجيدية مقتبسة من قواميس البلاط الملكي: "حلّت نعمت عون كنسمة ناعمة في قصر بعبدا.. أرادت أن تجعل من القصر مكانًا للعيش لا للحكم فقط، ومن نشاطها الدّائم والحاضر رسالة بأنّ الحكام ليسوا في طوابق علويّة مزنّرة بالفخامة كما تصورّها حكايات العصور الوسطى، بل من صلب الناس ومن قلب معاناتهم". خطابٌ من الواضح أنه مكرّس لصناعة صورة رمزٍ لا أكثر.

○مسرحيّة الأسئلة الحرّة

لتعزيز صورة الانفتاح، استهلّت نعمت عون حديثها إلى الطلّاب بدعوتهم إلى طرح الأسئلة بحريّة تامة وبروحٍ نقديّة. لكن سرعان ما زل لسان مدير الحوار ليكشف أن الأسئلة كانت محضّرة ومصفّاة بعناية.

فبينما كانت السيدة الأولى تعدد أهدافها الخمسة حول تمكين المرأة وحقوق الإنسان، قاطعها نخول قائلًا: "بمناسبة المرأة، سنأخذ سؤال نورما حول المرأة...".

إذا كانت الأسئلة مجهّزة مسبقًا، فلماذا مرّرت السيدة الأولى مشهد الأسئلة الحرّة؟

○ فجوة الخطاب

خلت مقابلة عون من إشارة إلى تداعيات الحرب العدوانيّة الإسرائيلية التي يعيشها لبنان  والتي تترك أثرها على كل بيت. العبارة اليتيمة التي قاربت فيها الحرب جاءت في سياق الحديث عن ذكريات الحرب الأهليّة: "نتعاطف مع كل شخص تهجّر ونشعر مع كل أم وأخ وبيت فقد شخصًا، لأننا أيضًا تهجرنا وخسرنا منازلنا وفقدنا أقارب".

لا حديث عن الشّهداء أو أيتامهم، عن برامج لدعمهم، ولا عن مجتمع يضمّ النسبة الأكبر من حالات العمى بعد جريمة البيجر الفريدة في لبنان.

ولأنّ السيّدة الأولى وفريقها تعمّدوا تجاهل جراح وطن بأكمله، ولأنها كانت حريصةً على أن تسبق إجابتها لكل طالب بكلمة "بفهمك"، من الضروري تذكيرها بالواقع الذي يبدو أنّها لا تراه من "طوابقها غير العلويّة":

- هل تدرك السيدة الأولى أن بين 27 تشرين الثاني 2024 تاريخ إعلان وقف الأعمال العدائية و13 آب 2025 أحصت المفكّرة القانونية 223 شهيدًا و664 جريحًا؟

- وأن 11 طفلا استشهدوا في منازلهم وفي الطرقات خلال ثمانية أشهر من وقف إطلاق النار؟

- وأن 89 طفلًا جرحوا أي بمعدّل  11 طفلًا في الشهر؟

- وبمناسبة المرأة والاهتمام بها، هل تعلم السيدة الأولى أن "إسرائيل" قتلت منذ وقف إطلاق النار حتى 13 آب 2025، 21 امرأة، وجرحت 116؟

ما هو برنامج السيدة الأولى إلى هذه الفئة من المجتمع؟ 

○سيدّة جبل لبنان الأولى؟

كان من المنتظر أن تُترجم السيّدة الأولى حضورها العام إلى جولات تتخطّى حدود جبل لبنان وبيروت، وصولًا إلى عكّار والبقاع والجنوب، حيث تختزن الأطراف اللبنانية أثقل الأزمات وأكثرها إلحاحًا. هناك، في القرى المحرومة والمناطق الحدودية، يتشكّل معيار هام للدور الوطني الذي يُفترض أن تحمله السيدة الأولى. فالحضور في مهرجانات الصيف الفنية، مهما كثر، لا يُعطي هذا الدور أبعاده الجامعة، بل يحصره في صورة واحدة لا تُلامس جوهر المعاناة.

خطاب نعمت عون ونشاطاتها يوحيان وكأنها زوجة رئيس جمهورية جبل لبنان فقط، وليس زوجة رئيس لبنان كلّه.

منشورات ذات صلة