قرار حكومة سلام انقلاب على الطائف بشهادة الهراوي وكرامي
بقلم أسامة رحّال*
بتاريخ الأول من تشرين الأول 1991 عقد رئيس الحكومة اللبنانية التي حلّت الميليشيات وسحبت سلاحها عمر كرامي مؤتمرًا صحفيًا شرح فيه نتائج زيارة الوفد الرئاسي إلى نيويورك (الوفد الذي شمل إلى جانب كرامي رئيس الجمهورية إلياس الهراوي ورئيس مجلس النواب حسين الحسيني)، وأكدّ الرئيس كرامي في المؤتمر أنّه لا يمكن نزع سلاح المقاومة طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب، وقال في إجابة على سؤال حول إمكانية تطبيق القرار الدولي 425: "هذه تمنياتنا، وهذا ما نسعى إليه، ولكنّنا نعرف أنّ إسرائيل تحاول أن تراوغ في هذا الأمر وتتأخر فيه قدر ما تستطيع، وهي تحتج بأمور كثيرة، ومنها أن هناك مقاومة ما زالت موجودة، وأنّ هذه المقاومة ستصل إلى حدودها وتدخل الأراضي المحتلة، ونحن نقول إنّه طالما هناك احتلال فلا يمكننا أن نمنع المقاومة أو أن ننزع سلاحها، [...]". وفي إجابة على سؤال آخر حول الموضوع نفسه أجاب كرامي: "سبب وجود المقاومة هو الاحتلال وعندما يزول الاحتلال لن يعود أي سبب للمقاومة". (أنظر عدد جريدة السفير 02-10-1991)
كلام الرئيس كرامي هذا ليس كلام رجل سياسة عادي أو تعبيرًا عن رأيه الشخصي، بل هو تعبير عن رأي الحكومة التي طبقت اتفاق الطائف وحلّت الميليشيات وسحبت سلاحها، ونشرت الجيش اللبناني في الأراضي اللبنانية كافة، ما عدا الأراضي المحتلة في جنوب لبنان. وعندما صرّح الرئيس كرامي بما ورد أعلاه كانت حكومته أنجزت قسمًا كبيرًا من مهمة سحب سلاح الميليشيات اللبنانية في وقت قياسي، ففي 30 نيسان 1991 (أي قبل 5 أشهر من تصريح الرئيس كرامي) بدأت الحكومة بتنفيذ خطة بسط سلطة الدولة في بيروت الكبرى، وبعدها في الجبل والشمال، وفي 30 حزيران من العام نفسه بدأت مرحلة بسط سلطتها في الجنوب من مدينة صيدا وجوارها (حيث وقعت اشتباكات بين الجيش اللبناني وقوات فلسطينية شرقي صيدا)، وبعد أيام وصلت قوات الجيش اللبناني إلى مدينة صور ومحيطها لتصبح على تماس مع الشريط المحتل وقوات الطوارئ الدولية، أمّا منطقة جزين فلم يبسط الجيش اللبناني سلطته فيها بسبب انتشار قوات "عملاء لحد" فيها، وهم الذين وصفهم الرئيس كرامي في المؤتمر نفسه أنّهم "حالة إسرائيلية" لا يمكن للحكومة مفاوضتها (علمًا أن الجيش اللبناني لم يبسط سلطته في جزين إلّا بعد 8 سنوات عندما انسحبت قوات العملاء منها جرّاء ضربات المقاومة).
يضاف إلى ذلك أنّ كلام الرئيس كرامي كان في معرض تقديم نتائج زيارة الوفد الرئاسي إلى نيويورك، ولا يعرض رأيه وحده، بل رأي ترويكا الحكم، التي تضمّنت حينها رئيس المجلس النيابي حسين الحسيني وهو أحد عرّابي اتفاق الطائف، والرئيس إلياس الهراوي أول رئيس جمهورية فعلي بعد الطائف، هذا الأخير كان قبل بضعة أشهر من تصريح كرامي، قد شرح معنى "كافة الإجراءات" الواردة تحت عنوان تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة في اتفاق الطائف، باعتبارها تتضمن "المقاومة" وذلك في جلسة مجلس الوزراء التي اتخذت قرارات هامّة بشأن حلّ المليشيات وسحب سلاحها بتاريخ 03-04-1991، بقوله: "إنّ لبنان كله سيتحوّل إلى مقاومة لتحرير أرض الجنوب في حال عدم تطبيق القرارات الدولية"، مشيرًا إلى أنّ "المقاومة ليست حكرًا على أحد، بل هي واجب وطني على جميع اللبنانيين". وشدد الهراوي "على وجوب تحرير الأرض بكافة الوسائل المتاحة كما جاء في اتفاق الطائف". (أنظر عدد جريدة السفير بتاريخ 04-04-1991)
هكذا يتّضح أنّ الحكومة التي حلّت الميليشيات وسحبت سلاحها لم تر المقاومة ضمن هذه الميليشيات، وهي الحكومة التي كانت المعنيّ الأول بتطبيق اتفاق الطائف، بل على العكس من ذلك، أسبغ أركان الحكم حينها المشروعية على المقاومة انطلاقًا من اتفاق الطائف نفسه، وبخاصة من بند تحرير الأرض واتخاذ "كافة الإجراءات" الوارد تحت الفقرة "ثالثا" من الطائف، هذه الإجراءات التي رأوا أنّها بلا شك تشمل المقاومة المسلحة، لكنّه وبعد أكثر من ثلاثة عقود على اتفاق الطائف تأتي حكومة لتفسره وتنطلق من نصوصه لنزع المشروعية عن المقاومة، هذه الحكومة بالتحديد، في ضوء ما تم عرضه، تكون قد قامت بإنقلاب على الطائف!
*باحث في القانون الدستوري