المقاومة المسلحة في لبنان: روح الشعب وهويته

باسم جوني *

يظنّ رئيس الحكومة، نواف سلام، المتسلّط بأمر الخارج على كرسي الرئاسة الثالثة، أنّ حصار المقاومة وشعبها ممكن بقراراته المُقدّمة طاعةً للخارج. فمن المفروض أنّه - بصفته "يسارياً" سابقا - أكثر من يعلم أنّ المقاومة لا تُختزل بطائفة ولا بدين أو عقيدة سياسية. وهذا ما أُثبت منذ الاستعمار الفرنسي عام 1918، وأكمل التاريخ تسجيله مع الاحتلال الصهيوني لأراضينا في القرن العشرين، وأكّدته معركة طوفان الأقصى عام 2023.

تاريخيًّا، أظهر التنوع المستمر بين الحركات الإسلامية والقومية واليسارية أن سلاح المقاومة يمثل شريحة واسعة من المجتمع اللبناني، ويمتد عبر مختلف فترات الزمن. والحديث عن فرض حصرية السلاح اليوم، لا يمس حزب الله حصراً، بل هو تهديد لكل مواطن موجود على الأراضي اللبنانية. 

تجلّى إرث المقاومة على امتداد العقود، في مشاركة ميدانية بارزة من مختلف المناطق اللبنانية، إلى جانب المقاومين من أبناء جبل عامل أدهم خنجر وصادق حمزة. شهدت مقاومة الاستعمار الفرنسي مشاركة أهالي راشيا في المعركة الشهيرة عام 1925، حيث خاض الموحدون الدروز مواجهة مسلحة بوجه الجيش الفرنسي ضمن ما عرف بالثورة السورية الكبرى آنذاك، وسقط عدد كبير من الشهداء، من آل مهنا وآل الحلبي ومن مشايخ آل زاكي. كما أن بلدة العقبة في قضاء راشيا حظيت بلقب "بلدة الشهداء" بعد أن فقدت 90 من رجالاتها وشيوخها في سبيل المقاومة، بعدما بدأت شرارة الكفاح المسلح في البلدة ضد الاستعمار الفرنسي بإطلاق أحد الثوار رصاصة قتلت ضابطاً فرنسيا. وأيضًا، نشطت في عكار مجموعات مسلحة استهدفت القوات الفرنسية في البيرة وخربة الرمان والجومة داخل أراضي لبنان الكبير.

لم تتوقف المقاومة اللبنانية العابرة للطوائف ضد الاستعمار الفرنسي بانتهاء "الانتداب"، بل اتسعت مع تصاعد الاستيطان الصهيوني وإعلان قيام "إسرائيل". وجاء انخراط الشباب اللبناني في تنظيمات متنوعة الفكر والعقيدة، بهدف واحد، هو مواجهة الخطر الصهيوني. المقاومة في لبنان سبقت اجتياح 1982، فقد كانت جبهة المقاومة الشعبية لتحرير الجنوب من الاحتلال والفاشية في عام 1978، وشارك لبنانيون في الكفاح المسلح منذ بدايات المشروع الصهيوني في فلسطين. قبل تأسيس حزب الله، خاضت حركة أمل والأحزاب والمجموعات القومية واليسارية العلمانية معارك ضد الاحتلال. ومع ظهور المقاومة الإسلامية، انخرطت في قتال العدو إلى جانب العديد من الفصائل المقاوِمة المتنوعة. كما كان لهذه المقاومة أوجه متعددة من التعاون عبر التاريخ، تُمثل طموح الشعب اللبناني في الوصول لتحرير أرضه. 

ففي ثمانينيات القرن الماضي تلقى عدد من عناصر حزب الله تدريباتهم في معسكرات قوات الفجر، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية. واستكمالًا لمعركة التحرر الوطني، شارك حزب الله جنبًا إلى جنب مع حركة أمل والجماعة الإسلامية والحزب السوري القومي الاجتماعي في معركة طوفان الأقصى 2023.

هذا الارتباط العضوي بين الشعب اللبناني وفعل المقاومة، يُمثّل امتدادًا تاريخيًا لمسار نضالي في حق الشعوب بتقرير مصيرها، ولن تتمكن قوى الاستعمار وأدواتها السياسية في الداخل اللبناني من كسره. ربما يغفل رئيس الحكومة اللبنانية أسماء الشهداء اللبنانيين كما أسماء الأسرى، لكن العمليات التي سُطّرت بوجه الاحتلال لا تزال حاضرة، من ابنة الجبل الاستشهادية ابتسام حرب إلى ابن صيدا صاحب الـ15 عاما الشهيد نزيه قبرصلي والشهيد جورج قصابلي. 

لذلك، أي قرارات سياسية تتعلق بسلاح المقاومة يجب أن تُبنى على فهم الواقع الوطني الشامل، لأن سجلّ المقاومة اللبنانية عبر التاريخ يثبت أهمية وحدة جميع القوى الوطنية في سبيل الدفاع عن الأراضي اللبنانية، ويؤكد أنها لا تقتصر على طرف أو تنظيم. وإن تجاهل هذا الواقع، وإصرار بعض الأطراف على فرض شروط خارجية لا تتوافق مع الواقع اللبناني، سيؤدي حتمًا إلى مزيد من الأزمات وعدم الاستقرار، وإلى التمسك بالسلاح حتى لو كان ذلك خلافًا لقرار الحكومة. 

فإما أن يحتوي سلام هذا الواقع، أو سينفجر في وجهه ضمن سياق مواجهة مشروع "إسرائيل الكبرى" الذي يعلن العدو صراحة أنه يضم لبنان.