مهندسو الحصار المالي على لبنان يعودون كمستشارين للمصرف المركزي

يوسف جابر 

أبرم مصرف لبنان اتفاقية تعاون مع شركة "K2 Integrity" الأميركية لتقديم الدعم الفني والاستشاري المتخصص، وهي خطوة أثارت عددًا من علامات الاستفهام حول الشركة نفسها، وحول جدوى التعامل معها.

ووفق بيان مصرف لبنان، فإن الخطوة تأتي ضمن سعيه للخروج من "اللائحة الرمادية" الصادرة عن مجموعة العمل المالي (FATF)، والتي أُدرج لبنان عليها في حزيران 2023، نتيجة ضعف فعالية منظومته في مكافحة غسل الأموال وتمويل "الإرهـ.ـاب".

الجدير ذكره أن (FATF) قالت إن إخراج لبنان من اللائحة يتطلب منه "إجراء تقييمات لمخاطر تمويل الإرهـ.ـاب وغسل الأموال المحددة في تقرير التقييم المتبادل، وضمان وجود سياسات وتدابير للتخفيف من هذه المخاطر، وإظهار زيادة مستدامة في التحقيقات والملاحقات القضائية والأحكام القضائية لأنواع غسل الأموال بما يتماشى مع المخاطر، فضلًا عن متابعة تحقيقات تمويل الإرهـ.ـاب، وتبادل المعلومات مع الشركاء الأجانب فيما يتعلق بالتحقيقات في تمويل الإرهـ.ـاب".

وبحسب بيان المصرف المركزي، فإن فريق عمل الشركة يتميّز بفهم معمّق للمعايير الدولية، إلى جانب خبرته في الالتزام بالقوانين الأميركية الخاصة بمكافحة الجرائم المالية، مثل قانون "USA PATRIOT Act" (المتعلق بمكافحة "الإرهـ.ـاب")، وقانون سرية المصارف (BSA)، وأنظمة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، إلا أن البيان لم يذكر أن هذه الخبرة لدى الفريق آتية من كونهم موظفين سابقين في الإدارات الأميركية المتعاقبة.

واللافت أن الشركة، التي تنشط في أكثر من 100 دولة حول العالم، تضمّ في لجنتها التنفيذية 4 أشخاص من أصل 11 كانوا قد عملوا سابقًا في وزارة الخزانة الأميركية، وكان لهم دور في إصدار عقوبات بحق أحزاب ومؤسسات ومواطنين لبنانيين. وهم:

خوان زاراتي، الشريك الإداري العالمي المشارك وكبير مسؤولي الاستراتيجية في شركة "K2 Integrity"، الذي شغل منصب نائب مساعد الرئيس ونائب مستشار الأمن القومي لمكافحة الإرهـ.ـاب بين عامي 2005 و2009، حيث كان مسؤولًا عن تطوير وتنفيذ استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهـ.ـاب، والسياسات المتعلقة بالتهديدات الأمنية العابرة للحدود. كما كان مساعدًا أول لوزير الخزانة لمجابهة تمويل الإرهـ.ـاب والجرائم المالية عام 2004.

في كتابه "حرب الخزانة"، يتناول زاراتي استخدام حكومة الولايات المتحدة لقوتها المالية والاقتصادية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، ويرى أن مجرد التهديد بالإدراج في القوائم السوداء — ناهيك عن الإدراج الفعلي — غالبًا ما يكون كافيًا لإقناع البنوك بوقف التعامل مع كل ما يُهدّد المصالح الأميركية.

دانيال غلايزر، الرئيس العالمي للخدمات القضائية ورئيس مكتب واشنطن العاصمة في "K2 Integrity"، شغل منصب مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهـ.ـاب والجرائم المالية في وزارة الخزانة الأميركية بين عامي 2011 و2017. وكما هو موضح، كان مسؤولًا عن صياغة وتنسيق السياسات والاستراتيجيات العالمية لمكافحة تمويل الإرهـ.ـاب، ومكافحة غسل الأموال، والعقوبات.

شغل غلايزر سابقًا منصب نائب مساعد وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهـ.ـاب والجرائم المالية بين عامي 2004 و2011، كما ترأس الوفد الأميركي إلى مجموعة العمل المالي (FATF) بين عامي 2001 و2011.

سارة رونج، المديرة التنفيذية الإدارية في شركة "K2 Integrity"، أمضت أكثر من عشر سنوات في مكتب تمويل الإرهـ.ـاب والجرائم المالية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، وشغلت خلال آخر خمس سنوات منها منصب مديرة مكتب السياسات الاستراتيجية.

شغلت رونج منصب رئيسة الوفد الأميركي إلى مجموعة العمل المالي (FATF) بين عامي 2017 و2018، وكانت أيضًا عضوًا في اللجنة التوجيهية للمجموعة خلال الفترة نفسها. كما كانت عضوًا بارزًا في الوفد الأميركي لدى (FATF) بين عامي 2011 و2017.

تشيب بونسي، الرئيس العالمي لنزاهة القطـ.ـاع المالي وعضو مجلس إدارة "K2 Integrity"، أمضى أكثر من عقد كمستشار أول في وزارة الخزانة الأميركية، وكان أول مدير لمكتب السياسات الاستراتيجية لتمويل الإرهـ.ـاب والجرائم المالية. كما ترأس الوفد الأميركي إلى مجموعة العمل المالي (FATF)، وأدار مشاركة الولايات المتحدة في مجموعات خبراء التمويل غير المشروع ضمن G7 وG8 وG20.

لا يُخفي هؤلاء، في شهاداتهم أمام الكونغرس أو وزارة الخزانة، أو في مقابلاتهم، أنهم عملوا على قطع مصادر التمويل عن جماعات مثل "حـ.ـزب الله"، عبر وسائل عدّة، منها الضغط على النظام المالي اللبناني.

وإلى جانب ما يطرحه ارتباط أعضاء اللجنة التنفيذية لشركة "K2 Integrity" بالخزانة الأميركية من علامات استفهام حول شفافية واستقلالية هذه الشركة، لم يكشف مصرف لبنان عن شروط العقد، أو نطاق الصلاحيات، أو قيمة العقد، أو معايير اختيار الشركة.

كما أن التناقض الزمني واضح لناحية مدة التعاقد (3 سنوات) التي تتعارض مع المهلة الممنوحة للبنان للخروج من اللائحة الرمادية (2026)، ما قد يشير إلى وجود مهام أخرى غير معلنة للشركة.

ولعلّ التعامل مع الشركة الأميركية المذكورة يمسّ بالسيادة الوطنية في مجال حماية البيانات، وينتهك قانون السرية المصرفية اللبناني، كونها تخضع لـ  "USA PATRIOT Act" الذي يمنح السلطات الأميركية صلاحيات غير محدودة للوصول إلى بيانات اللبنانيين والمؤسسات الرسمية، بما فيها الأنظمة المصرفية والتقنيات الحكومية الحساسة، دون إشعار الجهات اللبنانية أو الحصول على موافقتها.

كل ما تقدّم من شبهات ومخالفات جسيمة يجعل اتفاقية مصرف لبنان مع "K2 Integrity" محفوفةً بالمخاطر، فالشركة التي تظهر للعلن كـ "مستشار فني" هي في الواقع تجمع شخصيات شاركت، بشكل مباشر أو غير مباشر، في هندسة الحصار المالي على لبنان وفرض عقوبات على مؤسسات وشخصيات لبنانية. وبين غياب الشفافية حول العقد المُبرم والانتهاكات المحتملة للقوانين اللبنانية، قد نشهد إعادة إنتاج وصاية خارجية على القطـ.ـاع المصرفي اللبناني.

منشورات ذات صلة