سلام والعَلمَنة الكاذبة
منذ لحظة تكليفه، يكرر رئيس الحكومة نواف سلام شعارات مرتبطة بـ “العلمنة وإلغاء الطائفية السياسية”، مقدّمًا نفسه بوصفه رأس حربة في معركة إصلاحية ينتظرها اللبنانيون منذ عقود. هذه الشعارات التي تأتي تحت عنوان "الإنقاذ"، سرعان ما يتكشّف زيفها. فخلف خطابات سلام البرّاقة، تمسّك بالمحاصصة الطائفية ورفض للتغيير الحقيقي إلا بمستويات غير مؤثرة.
ما تكشفه مصادر لـ“بيروت ريفيو” من تفاصيل في جلسات مجلس الوزراء، تنبئ بصورة عامّة عن حقيقة تعامل سلام مع ملف التحاصص الطائفي على مستوى الوظائف، وأقصى ما قد يصل إليه مشروعه "الإصلاحي" على هذا الصعيد.
ففي إحدى جلسات مجلس الوزراء، دعا سلام ذات "صحوة إصلاحية" إلى المداورة بين الطوائف في بعض الوظائف، كمدخل لإلغاء الطائفية. أوّل اقتراحاته كان البدء بالمداورة على مستوى طوائف السفراء اللبنانيين في الخارج، فلا تعود أي سفارة حكرًا على أي طائفة.
ولمن لا يعلم، فإن السفارات اللبنانية موزعة على الطوائف. على سبيل المثال: السفير في باريس وواشنطن ماروني، وفي نيويوك وبرلين سنّي، وفي موسكو درزي، وفي بغداد ولندن شيعي…
وفور اقتراحه المداورة، عاد سلام واستدرك أن طرحًا مماثلًا سيستدعي منه بعض الجرأة التي لا يتحلى بها، فصحح فورًا: "أنا لا أقصد طبعًا أن لا يكون السفير اللبناني في فرنسا من الطائفة المارونية! بل أن تكون المداورة مثلًا على مستوى سفراء في دول مثل تونس والجزائر..".
يبيع سلام شعبه بضاعة مغشوشة حول المداورة والعلمانية، من دون المس حقيقةً بالتوزيع المعتمد للمراكز الهامة. فبينما يفاوض على المواقع الطائفية، يرفع شعار العلمانية، وهو أول من يكرّس المحاصصة الطائفية في التعيينات والتمثيل. يروّج للتغيير، فيما لا يختلف في سلوكه السياسي عن زعماء الطوائف الذين سبقوه.
خيبة أمل الذين راهنوا على سلام بصفته شخصية مستقلة و"مثقفة" من خارج “المنظومة التقليدية” تتزايد يومًا بعد يوم.