تقرير "الجديد"
نموذج لانتهاك المعايير المهنية والأخلاقية
"في فيديو هلق بدك تخبّرني عنه، أنا ما كتير اطّلعت عليه.. شو الفيديو؟ بدي تشرحلي قبل ما نعرضه"!
هذه المشهديّة الموثّقة بالصوت والصورة، أردفتها ديب بعد انتهاء عرض التقرير المدفوع بالقول إن قناة "الجديد" ليست من أعدّته ولا علاقة لها به، ما تفتح الباب أمام تساؤلات مهـنــية.
بين المال والسياسة: خلفيات التمويل
ولكن، قبل التقييم المهني، تؤكّد مصادر "بيروت ريفيو" أن التقرير جزء من استدراج عروض إعلامية تقوم به إدارة قناة "الجديد" للحصول على تمويل خليجي، لا سيما مع قرب انتهاء عقد "التعاون" مع قناة "الفجيرة" الإماراتية. وتشير المصادر إلى أن القناة بدأت التنسيق الإعلامي مع دوائر سعودية، في سياقٍ يواكب الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان.
وهنا، لا بد من التذكير بالمادة 13 من ميثاق الأخلاقيات الصحافية العالمي، التي تؤكد على ضرورة أن: "يتجنّب الصحافي استخدام وسائل الإعلام لخدمة مصالح غير مهـنــية، والامتناع عن تلقي مكاسب شخصية مقابل نشر أو حجب معلومات".
* أسئلة لا بد منها
بالعودة إلو المسار المهني الذي لا بد منه، كيف يُعرض تقرير على الهواء مباشرة دون أن تكون مقدّمة البرنامج قد اطّلعت عليه؟ وأين يُصرف نفي القناة مسؤوليتها عن التقرير، وهي مَن بثّته على الهواء مباشرة لمدة تجاوزت تسع دقائق؟
* مصطلحات تحريضية تفتقر للسند المنهجي
التقرير الفتنوي، والذي يظهر من إخراجه وطريقة عرضه أنه "مدفوع" من جهة "مخابراتيّة" أو "سفاراتيّة" ما، يتناول حيثيات إنشاء ضريح الأمين العام لحــ.ـزب الله سماحة الشهــ.ـيد السيّد حسن نـ.صـ.ر الـلـ.ـه، ويصنّفه على أنه يشكل "تهديدًا لهوية بيروت" و"خطرًا على الطوائف الأخرى"، وهي مزاعم تفتقر إلى السند المنهجي، وتُقحم مصطلحات "مشحونة" و"تحريضية" في خطاب يصنّف إعلاميَا ضمن "الحر ب النفسية".
* في الشكل
- مدة التقرير (9 دقائق) تخرج عن المألوف في المعايير التلفزيونية، ما يؤكّد نظرية كونه أقرب إلى الدعاية السياسية المدفوعة منه إلى التغطية المهـنــية.
- التعليق الصوتي يُوحي بأسلوب دعايات الحر ب، ويشبه إلى حد كبير الأساليب المعتمدة في الإعلام الإسرائيلي، مع موسيقى تصويرية تستدعي أدواء التهديد والتوجّس والخطر والتوتّر.
* على مستوى المضمون
يلحظ الخبير في الاعلام المرئي علي عبادي في منشور عبر صفحته على "فيسبوك" ملاحظات عدّة لناحية مضمون التقرير:
- يستخدم التقرير مصادر غامضة مثل: "خبير عقاري معتمد"، "مصدر مصرفي رفيع"، من دون أي دليل يتيح التحقق من مصداقية هذه المصادر.
- تبرز في التقرير تناقضات صارخة في الأرقام: يدّعي بداية أن تكلفة الضريح تصل إلى "مئات ملايين الدولارات"، ثم يعود ليقول إنها "عشرات الملايين".
- مزاعم "الاستيلاء" على الأرض تُدحض لاحقًا في نفس التقرير، إذ يقول جوزيف أبو فاضل إن الأرض تم شراؤها و"حصل إشكال مع المالكين، ثم عولج".
- تناقض آخر لجهة التمويل: يزعم التقرير أن مصدر الأموال جمعيّة القرض الحسن، ليعود لاحقًا إلى سرديّة "تهريب" الأموال الايرانية في حقائب! والإدعاءان يفتقران إلى الدلائل.
* اللعب على الوتر الطائفي
أخطر ما في التقرير أنه يستخدم خطابًا تعبويًا طائفيًا بصورة فظّة. فقد تكرّرت الإشارة إلى أن "السُنّة والمسيحيين مهدّدون بمزار شيعي في قلب بيروت"، في سردية تذكّر بخطاب الحر ب الأهلية والانقسامات الطائفية على بعد أيام فقط من ذكرى الحر ب الأهلية في لبنان. وهذا بحد ذاته يُعد خرقًا واضحًا للمادة 9 من الإعلان العالمي لأخلاقيات مهنة الصحافة، التي تشدّد على وجوب عدم المساهمة في "تعزيز الكراهية أو الترويج للصور النمطية على أساس العرق أو الدين أو الأصل أو النوع الاجتماعي".
* مسؤولية مضاعفة في زمن الحر ب
ما شهدناه في هذا التقرير ليس حلقة من مسلسل السقطات المهنيّة فحسب، بل يشكّل أيضًا انخراطًا في دعاية إعلامية مسيّسة تُستخدم كأداة تخدم أجندات خارجية. وفيما يواجه لبنان تصعيدًا في الاعتـ.ـداءات الإسرائيلية، يحمل الإعلام مسؤولية مضاعفة في الحفاظ على السلم الأهلي والدقة في المعلومة.
من هنا، تبدو الحاجة ملحّة إلى مراجعة معايير العمل الإعلامي اللبناني، وتحصينه بمزيد من المهـنــية، احترامًا للجمهور أوّلًا، ولأخلاقيات المهنة ثانيًا.