قصة مسجد الحسنين في الأشرفية
إعداد: حسين عطوي
أحقاد طائفية، تواطؤات سياسية، واعتداءات عقارية.. تدور جميعها حول قضية مسجد الحسنين الواقع في منطقة الأشرفية العقارية في بيروت. فالقضية التي أعيد فتحها مؤخرًا تحولت إلى مرآة تعكس تناقضات العاصمة، بين منطق العيش المشترك وواقع التجاذبات الدينية والسياسية.
خلفية تاريخية
في حي البرجاوي بالأشرفية، يقف مسجد الحسنين شاهدًا على الإهمال. بني عام 1935، لكنه هدم خلال الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1977 على يد ميليشيا "الكتائب اللبنانية". وبرغم إعادة ترميم المساجد والكنائس وحتى الكنيس اليهودي في بيروت، ظل المسجد طي النسيان لأكثر من أربعة عقود.
في السنوات الأخيرة، تحركت شخصيات بيروتية لإحياء مشروع إعادة البناء، من بينها الشيخ خالد العثمان، عمر غندور، حسن يونس، صالح حبال، ومحيي الدين مجبور، الذين شكلوا لجنة متابعة أهلية بالتعاون مع لجنة دار الفتوى برئاسة هاني الشعار وطوني الرميلة.
باشرت اللجنتان تنظيف العقار الذي تحول إلى مكب نفايات، وأطلقتا جولات على المسؤولين لتحريك الملف، فيما أبدى بعض المالكين استعدادهم لوهب أراض مجاورة لتوسعة المسجد وإلحاق مبنى خدمي به.
العقار والمخالفات
العقار الأصلي للمسجد (رقم 913) تبلغ مساحته 185 م²، فقد منها 116 م² للطريق من دون إشعار الأوقاف.
وسط العقار تتواجد 93 إلى 96 م² من فضلات بلدية لم تدمج بعد، ما زاد الملف تعقيدًا قانونيًا وإداريًا.
وبدعم من محسنين وجمعيات خيرية، ضمت عقارات مجاورة (855 شمال المسجد و859 يمينه)، لترتفع المساحة الإجمالية قبل خصم الطريق إلى نحو 740 م².
إلا أن فضلات بلدية إضافية (5577، 5578، 5675) لم تدمج بعد أيضًا، أي أرض معوقة ومتداخلة مع الأرض العقارية الأصلية للمسجد، ما يبقي المشروع مشلولًا إداريًا، ويضع الأرض الأصلية في حالة انخراط بأراض أخرى، ما يثير إشكالية شرعية بحسب الأوقاف لآلية البناء، رغم أن المساحة المتاحة بعد خصم الطريق تصل إلى نحو 625 م².
وتشير شهادات من المنطقة إلى تعديات فاضحة، حيث استغل بعض المستثمرين العقار في مشاريعهم عبر حفر آبار داخل أرض المسجد، إضافة إلى تحويله إلى مكب لمخلفات البناء والنفايات، وسط صمت رسمي لافت.
جغرافيًا وديموغرافيًا
حي البرجاوي، الواقع ضمن المنطقة العقارية للأشرفية، من أقدم أحياء بيروت وأكثرها تنوعًا دينيًا وفكريًا. يضم مزيجًا من المسلمين والمسيحيين، وشكل خلال الحرب الأهلية خط تماس بين شطري العاصمة، ما جعله نموذجًا مصغرًا عن التعايش البيروتي المتداخل.
لكن هذا التنوع نفسه تحول اليوم إلى ساحة توتر خفي مع كل محاولة لإعادة إعمار المسجد.
تعطيل متكرر ومعوقات متشابكة
على الرغم من التعاون الكامل مع محافظ بيروت القاضي مروان عبود والموافقة الإدارية المبدئية على الإعمار، واجه المشروع رفضًا متكررًا وتعطيلًا ممنهجًا.
فمنذ عام 1993 جمد قرار الإعمار من عدة جهات، وفي عام 2022 جدد الشيخ شريف توتيو مناشدته لمفتي الجمهورية ورئيس الحكومة، مؤكدًا توافر التمويل وحق المسلمين القانوني، لكن التنفيذ بقي معلقًا.
ومع بدء تنظيف الأرض وإزالة الركام، تصاعدت اعتراضات طائفية من بعض سكان الحي، عبروا عن رفضهم لإعادة بناء المسجد ورفع الأذان "وسط منطقة مسيحية".
وتؤكد مصادر اللجنة أن المطارنة رحبوا باللقاء الودي الذي جمعهم بالوفد، لكن أصوات الاعتراض أعادت إحياء خطاب طائفي دفين يعود لسنوات الحرب.
وتحول التوتر إلى مواجهة مباشرة حين حضر بعض أعضاء المجلس البلدي، بينهم وفاء فخري، وانتقدوا أعمال التنظيف، ما اعتبر محاولة سياسية لتعطيل المشروع بغطاء بلدي.
السياسة تتدخل... والمخزومي في الواجهة
برز اسم النائب فؤاد مخزومي في قلب الملف، بعد محاولاته تقديم نفسه كـ"منقذ" لقضية المسجد. إلا أن مصادر متابعة تؤكد أن دخوله الملف جاء اضطرارًا لا مبادرة، بعد لقاء لجنة المسجد بالوفد القطري الذي تعهد ببناء المسجد عقب تواصل لبناني رسمي معهم، ما وضع مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان في موقف حرج.
وعقب هذا التطور، برزت بطولات سياسية وإعلامية حاولت توظيف الملف انتخابيًا، إذ تشير المعلومات إلى أن مخزومي سعى لتغيير اسم المسجد من "الحسنين" إلى "التوبة" ضمن مقاربة رمزية قد ترضي بعض الأطراف المسيحية في المنطقة.
وتضيف مصادر أهلية أن بعض أعضاء المجلس البلدي المحسوبين على مخزومي، والمدعومين من جهات "قواتية"، لعبوا دورًا مباشرًا في إيقاف الأعمال داخل العقار، في إطار تصفية حسابات انتخابية أكثر من كونها إدارية.
موقف المجلس البلدي
أوضحت مصادر من المجلس البلدي لـ"بيروت ريفيو" أن ما قامت به وفاء فخري جاء نتيجة استنكار وتساؤل حول ما إذا كانت الأعمال الجارية تتم بإذن قانوني أو خارج الإطار الرسمي.
وأشارت المصادر إلى أن ملف المسجد يطرح خلال جلسات المجلس البلدي، لكن من دون معطيات واضحة حول آلية العمل عليه أو الجهات المسؤولة عن متابعته.
وأكدت أن القرار السياسي هو الأساس في تعطيل المشروع، سواء في الماضي أو اليوم، معتبرة أن الاهتمام المتجدد به يرتبط باعتبارات انتخابية واضحة أكثر منه بواجب ديني أو إنمائي.
تعطيل متكرر
منذ نهاية الحرب الأهلية، تعاقب على رئاسة بلدية بيروت عدد من الأسماء، من عبد المنعم العريس إلى بلال حمد وصولًا إلى جمال عيتاني وعبدالله دروش، لكن النتيجة واحدة: التعطيل.
ورغم تمسك المحافظ عبود بتطبيق قرار الإعمار، بقي التنفيذ معلقًا بفعل الحسابات السياسية، في ظل صمت نيابي من ممثلي العاصمة.