كيف تسلحت ميليشيات اليمين الانعزالي رغم سيطرتها على الدولة والجيش؟
يوثّق الباحث والكاتب صقر أبو فخر، في كتابه الصادر حديثًا بعنوان "الحرب الأهلية اللبنانية: لماذا اندلعت ومتى بدأت؟" تفاصيل غير مكشوفة عن الحرب الأهلية في لبنان.
ويشرح أبو فخر في كتابه، عن مصادر تمويل جزء كبير من أطراف هذه الحرب، سيّما الميليشيات اليمينيّة منها، التي عمدت حتّى إلى سرقة أسلحة للجيش اللبناني، والتزوّد بالمال والسلاح من "إسرائيل" وأطراف أخرى:
- يؤكد السفير الأميركي روبرت أوكلي أن الحكومة الأميركية أمدت بعض الميليشيات المسيحية بالسلاح والمال قبل العام (1973). وتولى سركيس سوغانليان تزويد الميليشيات اليمينية بالسلاح بتكليف من الإستخبارات الأميركية.
- اعترف سوغانليان بأن أول شحنة سلاح للمليشيات في لبنان شُحنت في عام 1973 بالتنسيق مع CIA ومع استخبارات وزارة الدفاع الأميركية.
- موّل بطرس الخوري وناصيف جبور شحنة أسلحة أخرى نقلها سوغانليان إلى لبنان بعدما اشتراها من بلغاريا، وهي عبارة عن سبعة آلاف قطعة سلاح متنوعة.
- طلب جول البستاني، مدير المخابرات العسكرية، من السفارة الأميركية في بيروت تزويده بأسلحة مجانًا في صورة مساعدة عسكرية أميركية. وأرسل الطلب إلى الملحق العسكري الأميركي في السفارة الأميركية في بيروت الكولونيل فروست هانت، مع التأكيد أن السلاح المطلوب هو للشعبة الثانية في الجيش اللبناني. وحدد البستاني حاجته إلى عشرة آلاف قطعة سلاح ومدافع وهواوين. وأرسلت الولايات المتحدة الأميركية بالفعل خمس طائرات نقل من طراز سي 130 محملة بالسلاح إلى مطار بيروت في مطلع عام 1974، ووُضع السلاح في مخازن الشعبة الثانية ليجري توزيعه لاحقًا على الأحزاب اليمينية التي عملت على تخزينه في أديرة الرهبانيات المارونية مثل دير مار روكز في مراح المير على طريق بكفيا - القليعات. كما وُزع السلاح على المناصرين للمكتب الثاني.
- يروي العميد هشام جابر أنه تلقى في عام 1974، وكان برتبة نقيب، أمرًا بتأمين دورية شرطة عسكرية لمواكبة قافلة شاحنات سعودية من نقطة المصنع عند الحدود اللبنانية - السورية تحمل ذخائر للجيش اللبناني. فنفذ النقيب هشام جابر ما طُلب منه، لكنه علم أن تلك القافلة لم تفرّغ حمولتها في المخازن الرسمية للجيش اللبناني في بلدة بمريم أو في منطقة اللويزة، بل في مستودع سلاح لحزب الكتائب في بلدة سن الفيل.
- ثمة وثيقة في الأرشيف الوطني الأميركي تؤكد أن الملك حسين قدّم إلى الميليشيات اليمينية اللبنانية 400 طن من السلاح والذخيرة.
- ورد في إحدى وثائق الأرشيف البريطاني لعام
1977 اعتراف لداني شمعون بأن مصر زودت "الجبهة اللبنانية" بقنابل مدفعية من مخزونها العسكري. و"الجبهة اللبنانية" هذه هي نفسها "جبهة الحرية والإنسان" التي ظهرت في 1/31/ 1976، وكانت مؤلفة من كميل شمعون وبيار الجميّل وسليمان فرنجية الذي انسحب منها في سنة 1978 بعدما اكتشف علاقتها بالموساد، الأمر الذي ربما كان أحد أسباب اغتيال ابنه طوني فرنجية. وإضافةً الى هؤلاء، ضمت الجبهة شارل مالك وفؤاد أفرام البستاني وشاكر أبو سليمان وإدوار حنين وجواد بولس وفؤاد الشمالي وسعيد عقل والأباتي شربل قسيس الذي خلفه الأباتي بولس نعمان.
- في 1975/7/8 حطت طائرة بوينغ 707 يملكها سوغانليان في مطار بيروت وأفرغت حمولة جديدة من السلاح قوامها بنادق كلاشنيكوف اشتراها من وارسو، وشُحنت إلى بيروت عبر مدريد لمصلحة ميليشيا حزب الكتائب.
- يقول ويلبر كرين إيفلاند إن محطتي المخابرات الأميركية في أثينا وروما، والإسرائيليين أيضًا، أرسلوا أسلحة إلى الميليشيات المسيحية، وأن داني شمعون اعترف بتلقي أسلحة بملايين الدولارات بين عامي 1974 و1975. والمعروف أن داني شمعون كان يبيع الفدائيين الفلسطينيين جزءًا من السلاح الذي يتلقاه من "إسرائيل" بذريعة حاجته إلى المال.
- يقول إيفلاند إن كمال جنبلاط كشف أن المخابرات المركزية الأميركية و"إسرائيل" دفعتا
250 مليون دولار للميليشيات المسيحية في سنة 1975 وحدها. وذكر السيناتور الأميركي، اللبناني الأصل، جيمس أبو رزق أن CIA دفعت للإسرائيليين 80 مليون دولار ثمنًا لأسلحة أُرسلت إلى تلك الميليشيات.
- في 1975/11/6، حين كانت الحرب الأهلية في بداياتها وتحت السيطرة إلى حد ما، أُبلغ رئيس الحكومة رشيد كرامي أن باخرة محملة أسلحة رست قبالة منتجع الأكوامارينا البحري الذي يملكه تاجر الأسلحة بطرس الخوري، فأوعز رئيس الحكومة إلى قائد الجيش حنا سعيد بتوقيف الباخرة ومصادرة حمولتها، فرفض قائد الجيش تنفيذ الإيعاز. وإزاء هذه المشكلة السياسية والدستورية، اتفق رئيس الجمهورية سليمان فرنجية وكميل شمعون ورئيس الشعبة الثانية جول البستاني على أن تبادر الشعبة الثانية إلى مصادرة الحمولة منعًا لإحراج رئيس الحكومة، ثم تقوم بتسليم الأسلحة إلى الأحزاب المسيحية. غير أن كميل شمعون سارع إلى إرسال مقاتليه إلى منتجع الأكوامارينا، فاستولوا على الباخرة وأخذوا حمولتها لمصلحتهم.
يقول أبو فخر: "وفي حمى التسلح راح الجميع يتسلح. ومن البديهي أن السلاح يجب أن يُستعمل. وهكذا سارت الأمور نحو انفجار الحرب الأهلية".