الجَبَلُ الرَّفِيعِ يَشْتَعِلُ… عُدْوَانٌ عَلَى الطَّبِيعَةِ مِنْ أَعْدَاءِ الْبَشَرِ وَالشَّجَرِ

إعداد: فاطمة نور الدين

اندلع حريق كبير في جبلِ الرفيع عند أطراف بلدةِ عربصاليم في جنوب لبنان مساءَ يومِ الأحد 21 أيلول 2025، بعدما ألقتْ —حسب شهودٍ من أبناء المنطقة— مسيّرة أو درون، قنبلةً أو عبوةً حارقة أدّت إلى احتراق مساحاتٍ واسعةٍ من الأعشابِ والأشجار. وتوجّهت فرقُ الإطفاءِ والجمعياتِ التطوعية فورًا إلى مكانِ الحادث لمحاولةِ احتوائه وإخماده.

ولَم تَكُن هذه الحادثةُ الأولى؛ فقد شهدت المنطقةُ حريقًا هائلًا سَبقَ ذلك في الليلةِ الفاصلة بين 6 و7 أيلول 2025، عندما اندلعت نيرانٌ في محيطِ الوادي الأخضر ممتدةً نحو أحراجِ جبلِ الرفيع، ما استدعى تحرّكًا كبيرًا لفرقِ الدفاع المدني والمتطوّعين، وترافق مع تحليق مكثّفٍ لمسيّرات العدو الإسرائيلي، ما زادَ من شكوكِ أبناء القرى المحيطة بشأن افتعالِ النيران.

سكانُ عربصاليم والجوار، ينظرون إلى الجبلَ بأنه أكثرُ من تَلٍّ؛ إنه رمْزُ هُويّةٍ ومتنفّسٌ طبيعيّ يوفر ظلًّا وموئلًا للحياةِ البرّية ومصدرَ موردٍ لَبعضِ العائلاتِ في المنطقة. بحسب شهودٍ وصورٍ ومقاطعٍ نُشرت على مواقع التواصل، كانت ألسنةُ اللهب سريعةَ الانتشار بين الأعشابِ الجافة والأشجارِ المتناثرة، ما صعّب عمليةَ الإخماد، خصوصًا مع وجودِ رياحٍ ساهمت في امتدادِ الحريق.

تكرارُ اندلاعِ الحرائقِ بالتزامُن مع استمرار الطيران التجسسي الإسرائيلي في أجواء المنطقة وخروقاته المتواصلة لوقف إطلاق النار منذ 27 تشرين الثاني 2024، يثير غضب وشكوك الأهالي في يدٍ إسرائيلية تعبث بالأمن البيئي للجبل الرفيع. وقد طالب الأهالي عبر منصة "بيروت ريفيو" أجهزة الدولة بالتقصي حول شبهات رمي المسيّرات الإسرائيلية مواداً حارقة فوق الجبل بهدف تعمّد إحداث الحرائق. 

الآثارُ البيئيةُ والاقتصاديةُ للحرائقِ في الجبل الرفيع قد تستمرُّ طويلًا: فقدانُ الغطاءِ النباتي يزيد من مخاطرِ انجرافِ التربة، بالإضافة إلى تضرّرِ الحياةِ البرّية وتأثيراتِ الدخانِ والحرارةِ على صحةِ سكان القرى المجاورة. ويؤكد معنيون بالوضع البيئي في المنطقة ضرورة إطلاق خطّةٍ مواجهة تشمل إعادة تشجير وتأهيلِ للأراضي.

في المقابل، يُسجَّل تقصيرٌ واضح من قِبَل الحكومة والدولة اللبنانية التي لم تتحرّك بالجدّية المطلوبة لحماية المدنيين وردع الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، سواء عبر الضغط الدبلوماسي أو من خلال إجراءات وقائية تضمن سلامة القرى الجنوبية وحقها في العيش الآمن. هذا الغياب الرسمي عن القيام بالحدّ الأدنى من المسؤوليات يفاقم شعور الأهالي بالغضب وضرورة قيام مبادرات بديلة.

لِلجبلِ رمزيةٌ تاريخيةٌ في ذاكرةِ المنطقةِ، فقد شَهِدَ أيام الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان مواجهات مستمرة بين المقاومة اللبنانية وجيش الاحتلال، وكانت الذروة في ما عرف لاحقا بمواجهات الجبل الرفيع في 12 أيلول 1997، والتي استشهد فيها ثلّة من أبناء المقاومة والجيش اللبناني وشهيدة مدنيّة. وبذلك، ارتبط اسم الجبل بعنوان الصمود والمقاومة. واليوم، يرى أبناء القرى المحيطة في الاعتداءات المتواصلة على الجبل، من قصف، ومحاولات إشعال للحرائق، سعيًا دؤوبًا للانتقام من الذاكرة. 

يتطلب هذا الواقع من الدولة اللبنانية توثيقًا ومتابعةً عاجلةً، فالحاجةُ ماسّةٌ إلى تنسيقٍ جدّي بين الدولة والجمعيات البيئية والهيئات الدولية لمحاسبة "إسرائيل" على اعتداءاتها، وتقديم الدعمٍ السريع لإخماد بؤر الحرائق، وإطلاق مشاريع لإعادة التشجير وتأهيل الأراضي وصون الموارد الطبيعية وحماية المواطنين.

لكن أمام غياب الدور الفاعل للدولة اللبنانية في حماية المدنيين وردع الاعتداءات الإسرائيلية، تبرز مسؤولية المبادرة الشعبية والأهلية كخيارٍ ملحٍّ لحماية الغطاء البيئي في القرى الجنوبية، باعتباره أحد مقوّمات الصمود والمقاومة والتشبّث بالأرض. والسؤال المطروح اليوم: "هل هناك إمكانية لإطلاق مبادرة أهلية لإعادة التشجير وتأهيل الأرض في الجنوب في رسالة تحدٍّ للاحتلال الذي يستهدف البشر والشجر؟"

منشورات ذات صلة