"فرار" باخرة وشبهات تزوير وسرقة: بصمة جديدة للقوات في وزارة الطاقة!

إعداد: حسين عطوي

حادثة تكاد تكون غير مسبوقة في وزارة الطاقة. باخرة فيول تهرّب من لبنان، فيلاحقها الجيش اللّبناني في البحر، ويعيد القبض عليها خارج المياه الإقليمية! باخرة، لا "فلوكا"، ولا مركب صيد صغير، ولا مركب لنقل اللّاجئين، بل ناقلة نفط تقطع مسافة عشرات الأميال في البحر، قبل أن يضطرّ الجيش اللبناني إلى إطلاق النّار بالقرب منها لتوقيفها.


القصّة لا تقتصر على الفرار! 

منذ أسابيع، يثير المهندس فوزي مشلب قضية التّزوير في مستندات شحنات الفيول التي تستوردها وزارة الطاقة، لحساب مؤسسة كهرباء لبنان، بما يؤدي إلى سرقة ملايين الدولارات من المال العام. وزير الطاقة القواتي، جو صدّي، لم يحرّك ساكنا، فلجأ مشلب إلى القضاء. وعندما تحرّك القضاء وطلب الحجز على ناقلة نفط تُدعى Hawk III، حاولت الناقلة (12/9/2025) الفرار من ميناء الجية، قبل أن يقبض عليها الجيش. هذه الحادثة التي تشمل الفرار من الحجز القضائي وشبهات بالتزوير وببيع فيول بسعر مبالغ فيه، تعكس بوضوح استمرار نهج الفساد والهدر المالي الذي يرافق إدارة "القوات اللبنانية" للوزارة، وسط غياب الرّقابة والمساءلة.

أصل القضية مرتبط إذاً بوجود شبهة سرقة المال العام من خلال شراء نفط بأسعار منخفضة، من روسيا، وبيعه للدّولة بأسعار مرتفعة بعد تزوير مستنداته لإخفاء مصدره، ما يكبّد اللبنانيين خسائر ماليّة ضخمة تذهب لجيوب شركات خاصة.

ودفتر الشروط الخاص بشراء الفيول لمؤسّسة الكهرباء لا يمنع شراء النّفط الرّوسي، بل ينصّ على أن سعر الفيول الروسي لا يجوز أن يتجاوز 340 دولارًا للطن، بينما سعّرت شركة Sahara Energy DMCC الطن بـ500 دولار! 

في تفاصيل مسار الناقلة "الفارّة" أنها في الخامس من آب 2025، قامت بتحميل نحو 38,200 طن من الفيول من أحد المرافئ الروسية. توقفت الناقلة في 18 آب في مرفأ مرسين التركي لمدة 36 ساعة بهدف تزوير مستندات المنشأ وادّعاء أنها تركية. عند وصولها إلى لبنان، قدّمت أوراقًا مزيّفة تثبت منشأً تركيًا، ما دفع المهندس فوزي مشلب إلى تقديم إخبار إلى النيابة العامّة الماليّة والجمارك، التي صعدت إلى السّفينة قبل التفريغ وتأكّدت من أنّ المصدر الحقيقي للفيول روسي، وأقرّ القبطان بأنّ التوقّف كان مخالفًا للعقد.

رغم ثبوت تزوير مستندات المنشأ من شركة Sahara Energy، سمحت وزارة الطاقة بتفريغ جزء من الحمولة في معمل الجيّة بعد تفريغ جزء سابق في الذُّوق، ما أثار علامات استفهامٍ حول دور الوزارة ووزير الطاقّة القوّاتي في السماح بتحقيق أرباح غير مشروعة عبر بيع فيول بسعر مرتفع جدًّا عن سعره الحقيقي.

ورغم علم الوزارة بوجود شبهات تزوير ومخالفات جسيمة للعقد مع الشركة المورّدة، لم يأمر وزير الطاقة بمصادرة الكفالة ولم يفسخ العقد، ما يعكس استمرار التّلاعب والسماح بسرقة المال العام من دون مساءلة حقيقية.

ولتبرير تفريغ الشّحنة، لجأت الوزارة إلى فحوصات دوليّة في دبي واليونان وإيطاليا، لإثبات أنّ الفيول المستورد مطابق للمواصفات الفنّية. لكنها تجاهلت تزوير شهادة المنشأ الهادف إلى سرقة المال العام.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، فقد أكدت المصادر أن أكثر من 15 ناقلة استخدمت نفس الأسلوب ونفس السيناريو لتزوير المنشأ ورفع الأسعار، وذلك على مدار السنة الأخيرة فقط، وتكبيد لبنان أكثر من 6 ملايين دولار إضافية لكل شحنة! 

وسبق أن تيقّنت الوزارة من وقوع تزوير في مستندات ناقلة نفط سابقًا، لكنها سمحت بتفريغ حمولتها، بذريعة تجنب العتمة.
باختصار، المشكلة ليست في مواصفات الفيول، ولا في أنّ الشحنة آتية من روسيا. المشكلة هي في نهج إداريٍّ وسياسيٍّ للوزير القوّاتي يصرّ على السّماح بالتّزوير بهدف سرقة المال العام، بذريعة "منع العتمة"!

منشورات ذات صلة