جان عزيز: من الميركافا وإلى الميركافا يعود؟
لافتة هي مسيرة جان عزيز المهنيّة بتلوّناتها. مُستشارٌ أتقن نقل البارودة من "القوات" فـ"التيار"، من "الجبهة الإسرائيلية" إلى "الجبهة الوطنية". وعلى متن باص تفاهم مار مخايل، رافق ميشال عون نحو حارة حريك، وكرّس نفسه "كاتب الوحي" في قصر بعبدا. لكن، لم يطل المقام. في المحصّلة، وقف الرجل في كل مرحلة من التاريخ، في مواقع متناقضة تمامًا، لا يمكن معها الحديث عن مبدأ واحد يرسم خطّه السياسي، إلاّ موقفًا انطلق منه في ثمانينيات القرن العشرين، وعاد إليه قبل انقضاء الربع الأول من القرن الأول بعد الألفية الثانية.
مع الحلف الإسرائيلي في الثمانينيات:
في سنوات الحرب الأهليّة، انضمّ جان عزيز إلى حزب "القوات اللبنانية". في تلك الفترة، كانت "القوّات" تتلقى دعمًا عسكريًّا وماليًّا ولوجستيًّا من "إسرائيل". وكان عزيز في ذروة انقسام الخيارات الوطنية، في صفّ التحالف مع العدو إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهو ما اعترف به، نادمًا، علنًا، بعد سنوات.
رفض تسليم سلاح "القوات" بعد الطائف:
بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، برز عزيز ضمن المتشدّدين الرافضين لتسليم سلاح "القوات اللبنانية" للدولة، وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف (تسليم سلاح الميليشيات).
الانقلاب على "القوات":
في حقبة التسعينيات، نشط جان عزيز في صفوف المناهضين للوجود السوري في لبنان. انضم إلى لقاء "قرنة شهوان" كممثل عن "القوات" بعد العام 2001. لكن ازدواجية مشبوهة شابت دوره في تلك الفترة، حيث اتهمته "القوات" بالعمل كـ"مخبر صغير، لأحد رؤوس الجهاز الأمني اللبناني-السوري المشترك". ونقل موقع "القوات" الالكتروني في أيلول 2010 عن مصادر أنه تم تجنيد عزيز لاختراق "القوات اللبنانية"، بل تم تشغيله كمخبر، داخل أمانة السر في "قرنة شهوان"، حسب تعبير الموقع.
الانضمام إلى "التيار"
بعد تفاهم مار مخايل 2006، انتقل جان عزيز إلى الضفة الأخرى، فاصطفّ مع الرئيس ميشال عون وتم تعيينه مديرًا لأخبار قناة OTV عند تأسيسها عام 2007.
في 28 شباط/فبراير 2012 نشر عزيز مقالًا في صحيفة "الأخبار" تناول فيه قضية تفجير كنيسة سيّدة النجاة مستهدفًا سمير جعجع. وردّ موقع "القوات" بحدّة على عزيز، واصفًا إيّاه بـ"المرتزق" الذي يقاتل "ضدّ القضيّة التي قاتل طوال حياته لأجلها قبل أن يسخّر قلمه… للعمل بالأجرة". واستحضر الموقع مقالات سابقة لعزيز أيّد فيها جعجع إبان اعتقاله، ليفضح تناقض مواقفه. لاحقًا، دخل عزيز القصر الجمهوري كمستشار إعلامي للرئيس ميشال عون.
الصدام مع فريق الرئيس عون
مطلع 2018 كتب عزيز مقدّمة نارية لنشرة أخبار OTV شنّ فيها هجومًا على الياس بو صعب. اعتُبر الأمر تجاوزًا لصلاحياته الإعلامية وتهديدًا لصورة الرئاسة. صباح الاثنين 12 شباط/فبراير 2018 قبِل رئيس الجمهورية استقالة مستشاره عزيز التي كان قد تقدّم بها سابقًا، وانتقل إلى الكتابة في مواقع "مستقلّة" أو معارضة للتيار، قبل انضمامه إلى موقع "أساس ميديا" لصاحبه الوزير السابق نهاد المشنوق.
عودة للعداوة مع "التيار" (2019–2025)
بعد خروجه من عباءة الرئاسة، لم يتردد عزيز في الهجوم على العهد. ففي أواخر ولاية ميشال عون، أثار ضجّة باتهامه بعض مستشاري الرئيس بالخيانة العظمى على خلفية ملف ترسيم الحدود البحرية مع كيان العدو عام 2022. ووصف هؤلاء المستشارين "بالدجّالين ومجموعة رستم غزالي وغازي كنعان ودحلان". في تلك المرحلة، كان عزيز قد انضمّ إلى فريق العمل السياسي المحيط بالعماد جوزاف عون، والساعي إلى وصوله إلى قصر بعبدا، مهما كانت الأثمان. وبتحقّق حلمه، عاد جان عزيز إلى القصر الجمهوري، مستشارًا سياسيًّا لرئيس الجمهورية جوزاف عون. في المرة الأولى، دخل بعبدا مع خياره السياسي، على دبابة الميركافا، عام 1982. في المرة الثانية، فُتِحت له أبواب القصر، عام 2016, في ظل تفاهم مار مخايل. في المرة الثالثة (2025)، دخلها متوهماً الاستقواء بالمسيّرة الإسرائيلية، وعضلات فريق العمل الأميركي في واشنطن.
من "إسرائيل".. وإليها
المستشار المتلوّن، اقترب بحسب المصالح وميزان القوى من كل الجبهات المتنقاضة في حقبات مختلفة. كان كاتب عمود ثابت في صحيفة "الأخبار" معروفة التوجه الوطني، كما عمل في موقع "Al monitor" الذي يملكه أحد عرّابي التطبيع، المدعو جمال دانيال. وفيما كان يتقرّب من القوى الوطنية في لبنان، كانت، بعد العام ٢٠٠٩ تربيه علاقة "مميزة" مع النظام السوري السابق في دمشق. علاقة "متينة" تتجاوز المهنية، إلى حد كتابته مقالاً عام ٢٠١١ شبّه فيه أحداث درعا، في ذلك الحين، بعملية استئصال الزائدة الدودية التي أجراها الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد. وفي الوقت عينه، كانت علاقة عزيز "أكثر من متينة" برجل الأعمال اللبناني الفرنسي اسكندر صفا الذي دارت تساؤلات عديدة حول علاقاته بـ"إسرائيل" ودوره كوسيط بينها وبين دول خليجية.
عزيز نادماً
شارك عزيز عام 2009 في الذكرى الـ 27 لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية، بدعوة من زياد الرحباني، حيث ألقى كلمة في مسرح المدينة عن تجربته الشخصية عام 1982 كمنتمٍ إلى الجهة السياسية اللبنانية المتواطئة مع إسرائيل، التي غادرها حزبيًا. مما جاء في خطابه الاعتذاري "في مثل هذا اليوم، كنتُ في موقع آخر...ولولا بقايا خجل من الاستذكار، لوجب عليّ القول إنني كنت في... الموقع... الآخر. لم أكن قد أتممت الثامنة عشرة من عمري، وبالتالي كنت على عتبة الوعي قانوناً... وفي عمق الغائب عن الوعي، واقعاً. كانت أيام مراهقة. مراهقة في الفيزيولوجيا، ومراهقة في الأبستمولوجيا، وما بينهما. يومها هلّلتُ للإسرائيلي، صافحته، عانقته، واعتليتُ مع رفاق السلاح، تلك الميركافا لالتقاط صورة، للذكرى. أقلّ من ربع قرن استغرقني الزمن لأدرك أنني لم أكن يومها مغتبطاً، ولا منتصراً. كنت بكل بساطة أُنفّس عن عقدٍ لاواعية".
بالغ عزيز في مراجعته حدّ الاستغفار: "تأخّرتُ لأدرك أن اعترافي بهذا العدو، هو واجب إنساني أولاً، وواجب ميثاقي، أولاً أيضاً. بعد تأخُّر ربع قرن، أستغفر الويمبي وصيدلية بسترس وكل المطارح الأخرى والأسماء المعروفة، وخصوصاً المجهولة".
اعتذار عزيز الذي خلط الثقافة بالوجدان، لم يدم مفعوله. في العام 2024، أعاد تموضعه، بوضوح، في الخندق المعادي للمقاومة الوطنية. ذروة إعلانه تموضعه الجديد تجلّت في مقال كتبه في موقع المشنوق، احتفى فيه بجرائم بنيامين نتنياهو، متهمًا أعداء الأخير بأنهم ليسوا سوى "عملاء الملالي". بذلك، غادر جان عزيز، المستشار المتلوّن، طريقًا كان قد وعد أن "يمشي" ويكمله.