استراتيجية الإعلام المعادي لحزب الله
"يشرح عالم النفس دانيال كانيمان في كتابه "التفكير، السريع والبطيء" (2011) كيف يجعل تكرار المعلومات الناس يميلون إلى تصديقها، بغض النظر عن صحتها الموضوعية. فالناس يميلون لتصديق المعلومات المتكررة، حتى لو كانت غير منطقية أو خاطئة.
التكرار أداة تصديق
- في كل منظومة دعائية، يُستخدم التكرار كوسيلة لتعزيز القبول الجماهيري. هذا ما يسميه دانيال كانيمان بـ"وهم الحقيقة"، حيث يؤدي تكرار المعلومة إلى إضعاف مقاومة العقل الناقد لها. إعلام الوصاية المعادي لحزب الله في لبنان، وأفرقاؤه ونشطاؤه، يوظّفون هذا المبدأ بكثافة وكفاءة منذ سنوات: يبدأ المضمون الهجومي ضد الحزب من صحيفة مثل "القبس" الكويتية، ليتحوّل لاحقًا إلى مانشيت في "نداء الوطن"، ويعاد تدويره على "MTV"، ويتكرر في عدد كبير من المواقع ووسائل التواصل.
حزب الله خارج الصيغة اللبنانية
من أبرز أهداف الوصاية وإعلامها، إخراج حزب الله من مفهوم التوافق الوطني والشرعية اللبنانية:
- النائب مارك ضو (5 آب 2025): "صار حزب الله خائفاً من جلسة حكومية تنهي خروجه عن الشرعية. آن أوان عودة الجميع إلى سلطة الشرعية".
- وزير العدل عدنان نصار (3 آب 2025): لن يسمح لحزب الله بأن يجرّ لبنان والشعب اللبناني معه.
- صحيفة "النهار" (5 آب 2025): "لا بيئة مخروقة إسرائيلياً كبيئتهم".. "خصّصوا له فدانين يُقاوم فيهما على قياسه، ونحن "نعيش لبنان" كما يحلو لنا... بسلام".
- شارل جبور (5 آب 2025): حزب الله "حرامي يجب طرده من البيت".
- إيلي محفوض (17 تموز 2025): "إما أن ننهي حالة الشواذ (حزب الله) وإلا ستنكسر الدولة".
- أشرف ريفي (30 كانون الثاني 2025): "إنت عميل إيراني وما فيك تتحكّم فيّ".
بناء صورة العدو الداخلي: الحزب كمصدر دائم للأزمة والخطر بدلًا من "إسرائيل"
لا يقف الخطاب عند حدود العزل ونزع الشرعية، بل يسعى إلى إنتاج صورة ذهنية للحزب وبيئته كخطر داخلي:
- "النهار" (3 آب 2025): "الحزب الشيوعي، مثله مثل أحزاب أخرى ومواطنين، إختبروا هذا التنافر المعرفي نتيجة خضوعهم للهيمنة العسكرية لحزب الله واضطرارهم الى تغيير سلوكهم وافعالهم".
- "النهار" (3 آب 2025): "سلط الإعلان عن نسبة نجاح خارقة في امتحانات الشهادة الثانوية في الجنوب قاربت 100 في المئة الضوء على انطباعات عن مدى المراعاة التي تعتمدها مؤسسات الدولة اللبنانية ليس لأهل الجنوب بمقدار ما هي للبيئة الشيعية في إطار احتضانها واستيعابها ولو على حساب هيبة السلطة اللبنانية وصدقيتها في الاتجاه إلى لبنان مختلف عن السابق".
- "نداء الوطن" (5 آب 2025): "مواقف "حزب الله" تصعيدية تتحدّى المجتمع اللبناني والدولي".
العزل والاستعداء.. استراتيجية ليست جديدة
- قناة MtV في (6 آب 2020) تحرّض على الهيئة الصحية التي حضرت للمساعدة في اجلاء جرحى تفجير مرفأ بيروت: عناصر من حزب الله يدخلون عبر الهيئة الصحية إلى داخل المرفأ ولديهم شيء ما يفعلونه في الداخل.
- مصطفى علوش في 18 آب 2020: "حزب الله" هو عدوّ الشيعة والسنّة والمسيحيين وهذه جريمة بحقّ الشيعة قبل غيرهم.
- مي شدياق في 16 شباط 2020: حزب الله فرع للحرس الثوري الايراني ووليه الفقيه
التنميط.. مخطط مدروس لتشتيت الأنظار عن الأزمات الحقيقية
هذه التكتيكات، تعمل على تجريد الخصم (حزب الله) من الشرعية وتنميطه كتهديد داخلي، محوّلة الانتباه بعيدًا عن أي قضايا أخرى، مثل التهديد الاسرائيلي للبنان والاعتداءات اليومية والأسرى.. والمصطلحات المستخدمة ليست مجرد كلمات عابرة، بل أدوات دلالية مختارة بعناية لترسيخ صور نمطية سلبية لدى الجمهور المتعرض لمضمون الرسالة. على سبيل المثال، استخدام مصطلحات مثل "عميل إيراني" يهدف إلى ربط حزب الله بكيان خارجي (ايران) يُنظر إليه بعدائية، وبالتالي تجريده من صفة "الوطنية" أو "الشرعية". كذلك، نعت "حالة الشواذ" أو "الحرامي" يسعى إلى إظهار الحزب كتهديد أخلاقي أو وجودي للمجتمع، مما يبرر أي إجراءات تُتخذ ضده.
هذه المصطلحات لا تساهم فقط في عزل الحزب سياسيًا، بل تعمل على خلق "عدو داخلي" تُوجّه نحوه كل الاتهامات، وتحمّله مسؤولية الأزمات، وتحول الانتباه عن أي عوامل أخرى قد تكون سببًا في المشكلات والأزمات القائمة، وهذا ما يحدث. يكتمل هذا المشهد من خلال تنميط البيئة، كما في الإشارة إلى "المراعاة" في نتائج الامتحانات بالجنوب، والتي تهدف إلى زرع الشك حول أي انجاز أو تقدّم وتصوير البيئة ككيان يستفيد من امتيازات غير مستحقة على حساب الدولة ككل.
ما سبق من شواهد، ليست مجرد تهجمات متفرّقة أو زلّات لسان، بل مشروع متكامل يعتمد على التشويه والعزل، وإعادة التدوير، وبناء صورة العدو الداخلي، في سياق هدف مدروس لتقويض أي مشروعية للمقاومة. وضمن منظومة واحدة، تتكامل سياسيًا وإعلاميًا، وداخليًا وخارجيًا، حيث تعد الإدارة السعودية لعدد غير قليل من المنصات والقنوات الإعلامية، رأس حربة في توجيه هذه الحرب، وتحديد بنودها، وكتابة سيناريوهاتها.