استراتيجيّة وزير القوّات لمواجهة الجفاف: "نبريش" من قبرص!

إعداد: كرم حميّة

يواجه اللبنانيون شحًّا قاسيًا في المياه ينذر بأنّ لبنان، بلد المياه في الشرق الأوسط، بات في قلب أسوأ أزمة مياه منذ عقود.
ويبدو أنّ وزير الطاقة والمياه "جو صدّي" المحسوب على القوات اللبنانية، لا ينجح في دحض وعود القوات في مجال الكهرباء فقط، بل في المياه أيضًا. فالوزير ربما لا يجد وقتًا لمعالجة أزمة المياه، إذ بشّر اللبنانيين بنيّة "البدء" في وضع خطة طوارئ للمياه في نيسان الماضي، وما زال المواطنون ينتظرون وعود المياه التي لحقت وعود الكهرباء 24/24.

كيف بدأت الأزمة؟
- انخفضت معدلات الأمطار خلال شتاء 2024-2025 بنسبة 60% عن معدلاتها السنوية، بحسب مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، حيث انخفض عدد الأيام الماطرة إلى نحو 45%، كما تراجعت بشكل كبير جدًا كميات الثلوج على الجبال المغذية للمياه الجوفية.
- نضبت عدة ينابيع لبنانية أساسية، خصوصًا في البقاع، كاليمونة ونبع الزرقا والبياضة وعنجر، واستُنزفت خزانات الآبار الجوفية.
- لا تكمن المشكلة فقط في نقص المتساقطات في دخول لبنان فعليًا ضمن موجة التصحّر، ما يعني بأن الجفاف الحالي قد يصبح سمةً دائمةً للمناخ اللبناني، بحيث يتحول من معتـ.ـدل بارد إلى معتـ.ـدل حار ويقترب بسرعة من المناخ الصحراوي.
- تنعكس الأزمة بشكلٍ حادٍ على القطـ.ـاعات الحيوية كالزراعة والطاقة والغذاء والسياحة، أي انها تهدد مباشرةً حياة الانسان اللبناني وصحته وتجعل الأمن الغذائي اللبناني في مهب الريح.
- بدت علامات التصحّر واضحةً للعيان منذ سنوات، لكن أيًا من الحكومات اللبنانية لم تولِ هذا الملف اهتمامًا كافيًا يوازي خطورته، حيث غابت الخطط المائية المستدامة والادارة المتكاملة للموارد المائية وحل مكانها الاستهلاك العشوائي المفرط للمياه الجوفية، رغم توقيع لبنان لاتفاقية الامم المتحدة لمواجهة التصحر عام 1993.
- أطلق الوزير السابق عباس الحاج حسن اواخر 2025 "خطة وطنية لادارة الجفاف". وتحدّث الوزير الحالي، نزار هاني، عن تحول استراتيجي في ادارة المياه والزراعة، لكن الوقائع تُظهر ان الكلام ما يزال حبرًا على ورق. لكن الغياب الأبرز يُسجّل للوزير المعني بقطـ.ـاع المياه، أي وزير الطاقة. واللافت أن السكان الذين لا تصلهم كميات كافية من "مياه الدولة"، يحصلون على المياه من مصادر أخرى، مقابل بدلات مالية مرتفعة. هذا الواقع يعني أن أساس المشكلة ليس في تراجع المتساقطات حصرًا، بل قبل ذلك في غياب الإدارة الرشيدة لقطـ.ـاع المياه الحيوي المُراد بيعه لأصحاب الثروات منذ عقود.

أسس العلاج
يكاد يفوت أوان العلاج الذي يحتاج إلى خطوات عاجلةٍ جدًا لاستدراك الوضع تندرج ضمن استراتيجية مائية شاملة بعيدة الأجل ومتعددة المراحل ومنها:
1- صيانة وتجديد شبكات توزيع المياه وتعميم العدادات من اجل توزيع عادل وضبط الهدر. فبحسب الدولية للمعلومات، تنفق الاسرة اللبنانية حوالى 40$ من أجل المياه شهريًا، اي حوالى 13% من الحد الادنى للاجور.
2- الاستفادة القصوى من مياه الأمطار عبر بناء شبكة متكاملة لتخزينها شتاءً والاستفادة منها صيفًا.
3- معالجة المياه العادمة عبر مشاريع مستدامة لاستخدامها في الري.
4- بناء سدود وبرك صناعية في الجرود والسهول لتجميع المياه.
5- استخدام وسائل ضبط التبخر في البرك والاراضي الزراعية عبر البالونات البلاستيكية والتظليل.
6- تشجير المناطق الشرقية في لبنان وفق آلية علمية دقيقة والتركيز على الزراعات المـقـاومة للجفاف.
7- نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه عبر رفع الوعي المجتمعي واشراك المجتمعات المحلية (بلديات، مدارس، جمعيات..) في برامج ادارة المياه لتتحول الى قضية وطنية.

وقت الخطر.. بكاء!
يواجه لبنان اليوم اكبر الأخطار الوجودية، الـ.ـعـ.ـدو الاسرائيلي وحلفاؤه التكفيريون على الحدود، وأزمة الجفاف في الداخل. كلاهما يحتاجان الى وعي المجتمع اللبناني وتكاتفه للانخراط في خطط شاملة لمواجهة هذه الاخطار. لكن كما في السياسة حيث يكتفي وزير الخارجية يوسف رجّي باستراتيجية البكاء للأميركيين، يبدو أن وزير الطاقة والمياه، جو صدّي، صاحب نظرية تمديد "اشتراك" للكهرباء من قبرص، سيعتمد أيضًا سياسة "مد نبريش" من مكان ما، لحل الأزمة.

منشورات ذات صلة