أستاذ في جامعة الحلم الأميركية ينشر نقافة البلطجة والكراهية

GpEHQ73WIAApQ5v.jpg 469.38 KB
في زمنٍ يُفترض أن تكون فيه الجامعات مساحات آمنة للاختلاف، خرج على طلاب الجامعة الأميركية في بيروت أستاذ جامعي بمنشور على "انستغرام" في 17  نيسان فاق في عنفه اللفظي أسوأ خطابات الكراهية المتداولة على هامش العالم الرقمي. هو مكرم رباح، الذي استعار قاموس الشتم والوصم، وراح يصف شريحةً من طلّاب الجامعة بأنهم «ورقُ تواليت» و«حشّاشون» و«تجّارُ مخدّرات»، ملوّحًا باتهامات قتـ.ـلٍ وتخريبٍ بلا سند، ثم دعاهم ـ صراحةً أو ضمنًا ــ إلى مغادرة الحرم الجامعي إن كانت قيم المؤسسة «لا تعجبهم».

هذا ليس «رأيًا فاقعًا» يُسجَّل في خانة المبالغات البلاغية، بل حالةٌ مكتملة الأركان لخطاب يحضّ على الكراهية، تُجرِّد المستهدَفين من إنسانيتهم وتبرّر في الوعي الجمعي أي سلوكٍ عدائيٍّ ضدّهم لاحقًا.

خطورة الكلام تتضاعف لأن قائله يتقلّد سلطةً رمزيةً لا يستهان بها. فالجامعيّ، بحكم موقعه، يوجّه أذهان طلبته ويؤطِّر النقاش العام داخل الحرم. وحين تنحدر لغة الأستاذ إلى مستوى التحريض العاري، تتحوّل القاعة ــ لحظة النطق ــ إلى ورشة إنتاج أحقادٍ مُقنَّعة بالشرعية الأكاديمية. هنا لا نتحدث عن سقطةٍ عابرةٍ في سجال سياسي؛ بل عن فعلٍ تربويٍّ عكسي يشرعن الإقصاء ويُطبّع العنف مستقبلًا.

التاريخ اللبناني القريب علّمنا أن مسافة قصيرة فقط تفصل الشتيمة الجماعية عن الرصــ.ـاصة الطائشة، وأن «التجريد» اللغوي غالبًا ما يمهّد الطريق للضرب والترهيـ.ـب، وربما لما هو أخطر.

يستند صاحب المنشور إلى حجة حرية التعبير، غير أنّ هذه الحرية تسقط لحظة تتحوّل الكلمات إلى تهديدٍ فعليٍّ لسلامة الآخرين. فالاتفاقيات الدولية ــ من خطّة الأمم المتحدة لمناهضة خطاب الكراهية إلى أدبيات اليونسكو في التربية على المواطنة العالمية ــ تؤكد أنّ الاتهام الجماعي والتحريض على الطرد أو النبذ يتجاوزان حدود النقد المشروع، ويقوّضان حق المستهدَف في بيئة تعليمية آمنة. والأسوأ أنّ الأستاذ يجرّ المؤسسة بأكملها إلى مأزق أخلاقي وإداري؛ إذ يكفي صمت الإدارة على هذه اللغة كي تفقد الجامعة ثقة طلبتها وسمعتها الأكاديمية.

إنّ واجب الجميع اليوم، ألا يمرّ كلام رباح مرور الكرام. فالمساءلة العلنية ليست ترفًا، بل ضرورةٌ وقائيةٌ تحول دون تفشّي الـ.ـعـ.ـدوى اللفظية التي ما تلبث أن تتحوّل إلى اعتـ.ـداءات مادّية. وعلى إدارة الجامعة أن تبادر، لا إلى التبرير أو الاكتفاء بحذف المنشور، بل إلى تحقيقٍ شفافٍ يفضي إلى محاسبة من استغل منصبه ليزرع الضغينة بين الطلاب. فالحرم الجامعي لا يحتمل ازدواجية: إمّا أن يبقى فضاءً يحضن كلّ الأفكار شريطة احترام الكرامة الإنسانية، وإمّا أن ينحدر إلى حلبة تصفية حسابات طائفية وسياسية بغطاء أكاديمي مزيّف.

وعليه فإن المطلوب من إدارة الجامعة الأميركية في بيروت أن تتحمّل مسؤوليتها كاملة: فتح تحقيقٍ شفاف، وإنزال عقوباتٍ واضحة، وفرض برامج تأهيل تحصّن الحرم ضد خطاب الكراهية.

أمّا جمهور الجامعة والرأي العام، فلديه الآن أداةٌ عمليّة للضغط: يمكنكم توجيه رسائل احتجاج رسمية إلى بريد رئيس الجامعة الدكتور فضلو خوري [email protected]، أو إلى مكتب الامتثال في الرئاسة [email protected]، مطالبين باتخاذ الإجراءات التأديبية اللازمة في حقّ الأستاذ المُحرّض. هذه الرسائل ــ كلّ منها بعنوان «وقف خطاب الكراهية في الحرم الجامعي» ــ هي أقلّ ما يُمكن فعله لحماية حقِّ الطلاب في بيئةٍ تعليميةٍ آمنة، ولحفظ مكانة الجامعة كمختبرٍ للعلم لا محرابًا للتعصّب.
#بيروت_ريفيو

منشورات ذات صلة